متوالية الخسارات

آراء 2020/07/02
...

مالك مسلماوي
لقد أصبح من الواضح مدى التأثيرات السالبة لجملة مستجدات على مجريات الحياة في العالم، وفي صدارتها الاوضاع الاقتصادية.. إذ تمثلت بشلل الانتاج والاستثمار وصعود مناسيب البطالة وارتباك السوق المالية والسلعية على مستوى العالم، انما الضرر الأكبر أصاب الدول ذوات الاقتصاديات الهشة والمتراجعة، ومنها العراق.. وتفاقم الازمات في المؤسسات بعامة والصحية بخاصة لعدم وجود تخطيط سليم واحتياطيات لمواجهة مثل هذه الكوارث المفاجئة.
 بالنسبة للعراق وقع تحت تأثير شلل السوق النفطية، وجاء وباء (كورونا) ليزيد الطين بلة، إذ يمر البلد في ذروة الأزمة السياسية والأمنية والمالية مع غليان الشارع، الامر الذي يجعل مواجهة الأزمة بأزمات آخرها جائحة الجوائح، والنتائج المنتظرة مؤسفة حقا.. اقول لو كنا بلدا مستقرا سياسيا بالدرجة الاساس، لانعكس هذا الاستقرار على جوانب الحياة العامة في الأمن والاقتصاد والمجتمع .. لو كنا كذلك لتمكنا من عبور أية أزمة مهما كانت درجة خطورتها.. ومن يتحمل ما تعنيه كلمة (لو) هو نحن، بل أولا هو من فوضناه أمرنا، وقلنا له: لك ما تشاء فنحن جندك وعبيدك، فأنت هادينا اليوم وشفيعنا في يوم تشخص فيه الابصار!، وصار ما صار، ثم وجدنا أنفسنا في حرب لا عهد لنا بها.. حرب مع عدو لا يُرى و لا يُسمع حتى نقطع رأسه او نفري قلبه .. 
 نحن المساكين المرتبكين، كيف لنا ان نواجه عدوا شرسا تحدى العالم كله؟ ونحن لا نملك إلا خطابا متعاليا بلا فعل .. وتراثا من الادعية والمقولات الكسيحة.. وصحوا متأخرا على مأساة ولودة باضت وفرخت و تفشت فينا برعاية من ولاة السوء ومملكة الفساد. صحونا وشعرنا بالخطر المهدد لكياننا و حاضرنا قبل مستقبلنا.. خطر ألم بنا وتسرب الى نفوسنا.. المهتزة أصلا بسبب ما تقدم .. صحونا ونزلنا محتجين على فشلنا وعلى فساد من تمكنوا من رقابنا وقادونا الى الهلاك.. الذين غضوا الطرف عن مطالب مشروعة. غضوا الطرف عن عناصر تتصيد بالماء العكر فندخل في دوامة من العنف غير المبرر إلا من أجل الحفاظ على الأوضاع كما هي، ولإدامة عمر الراعي فلتفنَ الرعية!.
 الآثار السلبية تصل الى حدود الكارثة أحيانا.. والتفاصيل معروفة وتحتاج الى وقت طويل. لقد خسر العالم الكثير في هذه الحرب، ونحن خسرنا الكثير ايضا، فهل سنربح شيئا؟
 ما نربحه هو أبعد من مفهوم الربحية المادية وحسابات السوق، سنربح قدرا من الوعي والقدرة على التمييز بين المفيد وغيره.. سنربح المعنى الذي أضعناه ونحن نلهث وراء الطمع والمكاسب والصراع من أجل الجاه والسلطة والمال.. سنربح الحقيقة بعد ان شبعنا زيفا وتزييفا وتعلقا بأذيال الدجالين والمخرفين والمتحكمين بعقولنا وتفاصيل حياتنا.. وباختصار نربح انفسنا ونهذبها من السلوكيات والعادات التي ارهقت كواهلنا عبر مئات السنين.. تلك العادات التي لا تحمل وجه قناعتها سوى انها عادات توارثناها من دون أنْ نسأل أنفسنا عن الفائدة المتوخاة منها.. عادات تتحكم بالفرد والمجتمع على حد سواء.. سنربح الكثير ان استفدنا من التجربة، وحكمنا العقل قبل أن تتحكم بنا أية جهة أخرى.