كرة القدم خلال جائحة كورونا ، ليست كالتي كنا نعيشها قبل الجائحة . لقد تغيّرت على الأقل في مستوى إيقاعها ، تماما مثل إيقاع حياتنا الذي تغيّر خلال الأشهر الماضية ، وستظهر آثار هذا التغيير حتى بعد انحسار مد هذا الفايروس الذي يتربّص بنا!
الشعور بالصدمة كان رفيقا لكثير من عشاق الكرة في أرجاء المعمورة وهم يتابعون مبارياتٍ بالنجوم نفسها ، وبالأندية ذاتها ، ولكن من دون أن يحضر الأداء المثير الذي فيه الالتحام والاشتباك والسعي لانتزاع الكرة بكل السبل المتاحة .. المساحات بين اللاعبين صارت محسوبة ، وألعاب الهواء في المناطق القريبة من المرمى لم تعد تستدعي أو تشترط ذلك الاندفاع الشديد الذي كانت عليه المباريات قبل نصف سنة من الآن!
إنها صورة مختلفة عمّا كان عليه الحال مثلا لدى نهاية العام الماضي أي عند انتصاف الدوريات تقريبا .. وهذا ليس اكتشافا أدّعيه ، وإنما تتحدث عنه وتفضي إليه الدراسات التي يكتبها المتخصصون .. فقد قرأت في مجلة (تشامبيونز) التي تصدر عن الاتحاد الأوربي لكر القدم - عددها الذي صدر قبل نهاية 2019 أن كرة القدم تعيش واحدة من أزهى فتراتها ، وقالت بالنص : مذهل هذا التوازن العملي والمحسوب بدقة ، والذي أوجده معظم مدربي الأندية الكبرى في إسبانيا وإنكلترا وإيطاليا وألمانيا ، بين مستلزمات الأداء ومتطلبات اللياقة في الأداء الشامل ، بحيث صار لزاما على كل فريق يريد تحقيق النتيجة المرجوة أن يبلغ أرقى درجة من هذا التوازن ، وإلا فإن آماله ستتبخر قبل أن تغادر مُخيلة أو عقل مدربه!
المجلة قالت في دراستها : إن اللياقة صارت الدعامة (الإسمنتية) ، هذا إذا لم نقل (الفولاذية) التي يرتكز عليها الأداء الفني .. والأمر هنا ليس بجديد ، إذ لا يمكن لأي فريق أن يؤدي واجبات معقدة متعددة إلا إذا امتلك ناصية اللياقة وراح يؤدي المباراة بوتيرة واحدة منذ انطلاق صفارة البداية وحتى يعلن الحكم خاتمة اللقاء!
اللياقة التي تحدثت عنها المجلة ، ليست نشر الجهد والحركة في كل أرجاء الملعب دونما تخطيط أو دراية .. إنها ما يُسمّيه القيصر فرانتز بكنباور (لـيـاقة الأداء) .. وهذا تعبير حاذق يلخص كلاما طويلا في عبارة من كلمتين .. والمعنى أن اللياقة توظف لأغراض الأداء المرسوم الذي يعرف الفريق به كيفية التحسب في الدفاع ، ثم كيفية التحول إلى الهجوم بنقلة سريعة لمّاحة يرسمها المدرب وكأنه يضغط على زر معين لتحدث الانعطافة في التعامل مع المباراة!
هكذا قالها الخبراء ومنهم بكنباور قبل جائحة كورونا .. لم يكن أي منهم ينتظر هذا السبات العميق الذي دخلت فيه دورة الحياة حول العالم ، وكانت الكرة مظهرا واحدا من مظاهر التراجع فيه .. مباريات ما قبل اندلاع الفايروس في أوصال المعمورة ليست هي مباريات اليوم .. الكل كان شهورا طويلا - وما زال - يلتمس السلامة أولا .. والمؤكد الآن أن وقتا ليس قصيرا سيمرّ قبل أن نستعيد الصورة المعهودة!