سامر المشعل
انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الاخيرة بظاهرة «سعدون الساعدي»، المطرب الشعبي، الذي عرف بأغنية «صمون عشرة بالف «وقبلها غنى على «الفلافل».. جاءت ردود الافعال مشحونة بالتهكم والازدراء وممزوجة بالحسرة وسوء القدر الذي اوصل الغناء العراقي الى هذه الدرجة من الانحطاط. الاغنية اصدق تعبير عن الواقع الذي يعيشه المجتمع، وهي انعكاس للمستوى الحضاري والذوقي والجمالي الذي يبلغه، مثلما يقول الفيلسوف كونفشيوس «اذا اردت أن تعرف حضارة أمة ما، فاستمع الى موسيقاها». من المنطقة الشعبية ذاتها التي خرج منها الساعدي، « مدينة الصدر» الثورة سابقاً، خرج الكثير من المطربين الشعبيين.. فهي ولودة للطاقات الابداعية منهم على سبيل المثال: عودة فاضل ووحيد الاسود وهاني الكرناوي وعبد الحسين اللامي وفي عقد الثمانينيات انجبت حسين البصري وصباح الخياط وحسن بريسم ووحيد علي وعبد فلك.. وفي عقد التسعينيات انجبت ضياء الدين وقاسم ماجد وحاتم العراقي وباسم العلي وضياء حسين.. وغيرهم الكثير، بالاضافة الى الشعراء والملحنين والموسيقيين.
هؤلاء الفنانون عبروا عن واقعهم الاجتماعي ومشاعرهم الانسانية ومواهبهم بطريقة تنسجم وما تدخره تلك المدينة من افكار يسارية وثورية واضطهاد سياسي، فاعطت نتاجاً غنائياً شعبياً عكس حاجة المدينة للحياة والتحرر من الحزن والضيم باغان ذات ايقاعات راقصة، وتطرقت الى شتى المواضيع الانسانية والاجتماعية مثل «الفصلية» والاجبار على الزواج من ابن العم وغيرها. وبما ان المدينة ذات تركيبة عشائرية، واغلب سكانها نازحون من محافظة العمارة ، ومقبلون على الحياة حد الثمالة، ظهرت باقة من الالوان والاطوار الريفية التي أغنت الذائقة السمعية العراقية بأصواتها مثل سلمان المنكوب وحسين سعيدة، وعبد محمد ونسيم عودة وعبد الصاحب شراد وعبد الزهرة مناتي وعبد الواحد جمعة وشهيد كريم وعبادي العماري وفرج وهاب.. الذين قدموا غناء ريفيا حديثا، جاء متأثرا بقربه من العاصمة بغداد، ونتيجة لتلاقحه مع ملحني مدينة بغداد، واخذوا يستخدمون الايقاعات السريعة التي لم تكن موجودة في ريف ميسان. ظلت هذه المدينة على الدوام منجما يمد الساحة الادبية والفكرية والرياضية والعلمية بالطاقات الابداعية.. ورغم ذلك فهي تعاني الاهمال والدونية، ورغم ذلك فهي تواصل نضالها ومكابداتها.. وعندما طغت على المشهد السياسي والاجتماعي لتلك المدينة المليشيات المسلحة والعشائرية بطابعها السلبي، وانحسرت الحياة المدنية ووسائل الترفيه، فمن الطبيعي أن تنتج لنا جحافل من «الكوالة والرواديد والمهاويل.. واحد افرازاتها المغني الشعبي سعدون الساعدي. فالساعدي ليست له علاقة بالثقافة والوعي يخرج للغناء وسط انتشار الوباء ويجتمع حوله مراهقون وفتيان باشكال غريبة وهجينة.. لا يهمه من الغناء سوى جمع المال، فهو يتقاضى اربعمئة الف دينار بالليلة الواحدة، على حد قوله، وممكن ان يغني بمئة وخمسين الفا، واذا لم يجد فممكن أن يغني بـ «لفة فلافل». ظاهرة الغناء الشعبي بسطحية وبسذاجة الساعدي، موجودة في مصر وبعض البلدان العربية، وهي لا تعبر عن كل المجتمع، أو مدينته، انما تعبر عن تردٍ ذوقي لدى فئة من تلك المدينة وهي تمر بعصرها المظلم وتخلفها الحضاري.