عاشق السلطة

الصفحة الاخيرة 2020/07/18
...

حسن العاني 
منذ طفولته وهو يعشق المسؤوليَّة وحب التسلط على الآخرين، وكانت هذه النزعة تسري في عروقه وكأنها جزءٌ من جيناته الوراثيَّة، ولذلك سعى أيام الدراسة الابتدائية الى التقرب من المدير والمعلمين والتملق لهم بصورة مفضوحة من أجل أنْ يكون (مراقباً) ومراقب الصف كما هو معروف يمتلك نوعاً من الامتياز - وإنْ كان سخيفاً – يجعله الوسيط والمسؤول عن زملائه التلاميذ أمام المعلم والإدارة!
ولم تتراجع هذه النزعة أو تخفت في مرحلة الدراسة الإعداديَّة، فقد كان يجاهد بكل الوسائل من أجل أنْ يتولى المركز القيادي الأول في التنظيمات أو الاتحادات الطلابيَّة، من دون أنْ يكون في قرارة نفسه مقتنعاً، لا بهدف سياسي ولا موقف مبدئي أو مهني وباختصار لم يكن معنياً بأمر يشغل باله في هذه الدنيا الطويلة العريضة، سوى إشباع رغبة جنونيَّة في أعماقه!
عندما بلغ صاحبنا المرحلة الجامعيَّة بلغ اندفاعه نحو السلطة والتسلط حد الهوس، ولكنْ مع كثيرٍ من الوعي هذه المرَّة، بحكم العمر والتجربة وزيادة المعرفة، وقد زاد من هوسه أنه بات يرى نفسه أكفأ من الآخرين وأقدر على تحمل المسؤولية والقيادة، ولا بدَّ أنه كان محقاً في بعض ما يراه، فثمة من هم في المواقع المتقدمة، لا يصلحون حتى للمواقع الدنيا، ولا لأي حجم أو نوع من المسؤوليَّة، وكان شعوره المتنامي بأنه هو الأحق، أو أنَّ غيره استحوذ على حقه في مواقع القيادة والمسؤوليَّة، قد أورثه الحزن والقلق، ودفعه أكثر من مرة إلى التصرف بحماقة، كان من نتائجها تعرضه في إحدى المرات إلى التوقيف مدة 72 ساعة، غادر التوقيف بعدها وهو يثرثر ويهذي بلغة السجون والمعتقلات والمفصولين السياسيين، مع تصاعدٍ عالٍ في نبرة المطالبة (العلنية) بموقع من مواقع السلطة وإنْ كان دون الطموح، على أمل أنْ يكون خطوة أولى على طريق الصعود إلى مواقع أعلى وأعلى، ولكن من دون جدوى، وذهبت مساعيه وتملقاته ومحاولاته أدراج الرياح! وهكذا ذبل الرجل وتراجعت صحته وعجزت المستشفيات العامة والخاصة عن تشخيص علته إلى أنْ تدخل أستاذ مشهود له بالذكاء والكفاءة من أساتذة علم نفس الشخصية ووضع يده على المشكلة الحقيقيَّة، وقام جزاه الله خيراً عن عشاق السلطة بواسطة كريمة ومشروعة لمريضه، وتم تعيينه مسؤولاً من مسؤولي (السلطة الرابعة)، ما كاد الرجل يتولاها حتى شفي من مرضه وعادت إليه عافيته، إلا أنه بعد شهرين فقط أدرك ورطة العلاج الذي أوصى به الطبيب أو الأستاذ المعالج بعد اكتشافه، أنَّ السلطة الرابعة هي الوحيدة التي لا تمتلك سلطة!!