الحقوق الدفاعيَّة للمتهم وضمانات التحقيق العادل

العراق 2020/07/19
...

القاضي ناصر عمران
 
يشكل المبدأ العام أن الأصل في المتهم البراءة مظلة عالمية للضمانات القانونية التي يُلزم القانون الأجهزة التحقيقية القضائية بتطبيقها عند اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المتهم، إذ ورد في الفقرة (1) من المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 (إن كل شخص متهم بجريمة يعدُّ بريئا الى ان تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له الضمانات للدفاع عن نفسه) كما نص دستور جمهورية العراق لعام 2005 في الفقرة (خامسا) من المادة (19) منه (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الإفراج عنه إلا إذا ظهرت أدلة جديدة)، ويعد مبدأ افتراض البراءة ركنا في الشرعية الإجرائية التي تنطلق من القاعدة القانونية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني) والتي تفترض حتما البراءة كأصل للمتهم بمواجهة التهمة المسندة اليه، واذا كان مبدأ البراءة يهدف أساسا لحماية المتهم، وذلك عن طريق المعاملة التي يخضع لها وضمان سير التحقيق بالمقابل فإن هناك حقوقا للمجتمع لا يمكن إغفالها؛ لذلك أباح الدستور والقانون الحد من حرية المتهم كما أجاز ضبطه واحضاره والقبض عليه وتفتيشه وتفتيش منزله وتوقيفه وبقدر هذه الضرورة فقط كما يرى الأستاذ حسين جميل في كتابه (حقوق الانسان والقانون الجنائي) وبالمقابل فإن القانون أوجب ضمانات قانونية وحقوق دفاعية للمتهم تضمن التحقيق العادل للوصول الى الحقيقة، ومن أهم الضمانات القانونية ما جاء بنص المادة (35) من الدستور (لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي)، فإذا سلم المتهم نفسه او تم إلقاء القبض عليه فقد اوجب القانون في المادة (123) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل على استجواب المتهم خلال أربعة وعشرين ساعة من حضوره، بعد إحاطته علما بالتهمة المسندة اليه وحضور محامي للدفاع عنه سواء بالتوكيل من قبل المتهم او بالإنابة من قبل المحكمة فحق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة حسب المادة (19/ رابعا) من الدستور، والمتهم لا يجبر على الاجابة عن الاسئلة الموجهة اليه ولا يعد سكوته دليلا عليه ولا يحلف اليمين إلا اذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين، ولا يجوز استعمال أي وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره وتعد من الوسائل غير المشروعة (الضرب والتهديد بالإيذاء والاغراء والوعيد وإساءة المعاملة والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير) وللمتهم الحق في ان يبدي اقواله في اي وقت بعد سماع اقوال اي شاهد وان يناقشه او يطلب استدعاءه لهذا الغرض بحسب المادة (124) الاصولية، وفضلا عن الضمانات قانونية والحقوق الدفاعية للمتهم فإن هناك ضمانات اجرائية كفلها القانون؛ ومنها تدوين أقوال المتهم 
في محضر من قبل القاضي او المحقق ويوقعها المتهم والقاضي او المحقق واذا امتنع المتهم عن التوقيع 
يثبت ذلك في المحضر، واذا تضمنت الافادة إقرارا للمتهم بارتكابه الجريمة فعلى القاضي تدوينها بنفسه وتلاوتها عليه بعد الفراغ منها ثم يوقعها المتهم والقاضي، واذا رغب المتهم بتدوين أقواله بخطه فعلى القاضي ان يمكنه من تدوينها على ان يتم ذلك بحضور القاضي ثم يوقعها القاضي والمتهم بعد ان يثبت ذلك في المحضر، كما تدون في المحضر الشهادات التي طلبها المتهم للنفي، ويتم الاستماع الى شهادة الشهود وأي أدلة أخرى يطلب المتهم تقديمها لنفي التهمة عنه إلا اذا كانت الطلبات يتعذر تنفيذها او ان الغرض منها تأخير سير التحقيق بلا مبرر او تضليل القضاء حسب المادة (128) الاصولية، وللمتهم الطعن بقرارات قاضي التحقيق امام جهة الطعن المختصة، ان الحقوق الدفاعية للمتهم والضمانات القانونية هي ضمانة للحرية الشخصية فافتراض البراءة حتى صدور القرار النهائي تنسجم مع السلوك الطبيعي للفرد داخل المجتمع فالجريمة عمل شاذ خارج عن المألوف وسلوك مجرم أوجب القانون فرض العقوبة على مرتكبه ايجابا بالفعل او سلبا بالترك، وما بين تقاطع الضمانات القانونية للمتهم وحق المجتمع في الوصول الى الحقيقة وتحقيق الردع العام بفرض العقوبة المقررة، تتشكل هناك مساحة زمنية يتحدد من خلالها الوصول الى الحقيقة بحسب ما تقتضيه القوانين تحقيقا للعدالة.