حسن العاني
لعل ظاهرة إبدال حرف بحرف، أو تقديم حرف على حرف، هي من أكثر الظواهر اللغوية الشائعة في لهجات القرى العراقية، هذا غير التباين في المسميات للشيء الواحد، فمفردة (الدربونه) على سبيل المثال نراها معروفة ومستعملة في بغداد والعديد من مدن العراق الأخرى، بينما تستخدم مدن أعالي الفرات، أو أغلب تلك المدن مفردة (زقاق)، أما (العوجي) فهي المفردة المتداولة في معظم مدن نينوى.. وإذا ألحقنا بالإبدال وتباين المسميات، ذلك التنوع في طريقة نطق الكلمات من تخفيف أو تضخيم أو إمالة ... الخ، نكون أمام جملة من الموضوعات التي تستحق من أهل اللغة وأساتذتها والمشتغلين في حقول التراث أن يُفردوا لها عشرات البحوث والدراسات للوقوف على الأسباب البيئية والتاريخية والسايكولوجية وراء هذا التباين أو التنوع.
سأشير هنا - بما يعادل قطرة من بحر – الى قضية الإبدال بين الحروف، وربما كان الشائع منها في معظم قرانا العربية، هو (إبدال الغين بالقاف) وبالعكس، فإذا سمعنا على سبيل المثال أُماً تنادي ولديها كي يدخلا المنزل لان الأجواء ليست كما يجب [ يمه غدوري تعال انت وأخوك قازي، ترة جايتنا قيمة سوده لو قبره ] فهذا يعني انها تقول [ يمه قدوري تعال أنت وأخوك غازي، تره جايتنا غيمة سودة لو غبرة ] ..الخ، وفي بعض مدن الشمال العراق يقلبون الحاء عيناً وبالعكس، وبذلك يقولون –على سبيل المثال – (علاوة شكريه) ويقصدون (حلاوة شكريه) او يقولون (عمل بحير) ويقصدون (حمل بعير) وهكذا.
على أن الأشهر في هذا الميدان هو (قلب الجيم ياء) الشائع في وسط العراق وجنوبه، وانتقل الى الشعر العامي والاغاني الشعبية، وقد حدثتني إحدى زميلاتي الاعلاميات، أن فتاة من قريباتها تسكن قرية نائية من قرى واسط، ولم يسبق لها أن زارت المدينة طوال حياتها... وكان سكان القرية ممن يقلبون الجيم ياء، وصادف أن تعرضت الفتاة الى ألم في حنجرتها فاصطحبها شقيقها الى طبيب في مدينة الكوت (مركز محافظة واسط)، وحيث أنها لم تزر طبيباً من قبل، فقد تحسبت للامر، وفكرت أن الطبيب لايتحدث إلا بالعربية الفصحى، ولو سألها عن مرضها فسوف لن يفهم منها شيئاً اذا قلبت جيم الحنجرة ياء – وهي لايمكن عندما تتحدث إلا أن تقلبه – وهذا ما أقلقها وربما أربكها وهي تدخل غرفته، وما إن سألها عما تعانيه حتى خطر على بالها خاطر سريع وهو أن ترد عليه بالفصحى فلم تقل له (حنيرتي تويعني) اي (حنجرتي توجعني) بل قالت بلغة عربية فصيحة عالية مبتكرة (دكتور ... حنقرتي توقعني) ... للحظات ظل الطبيب صامتاً الى أن استوعب عبارتها.. عندها لم يستطع منع نفسه من الضحك وقال لها: سلامة حنيرتك!!