رسالة {شوق} في زمن الكورونا!

الصفحة الاخيرة 2020/09/03
...

زيد الحلّي
عندما انبلج الصباح، وجدتُ نفسي امام المرآة.. تناولت فرشاة اسناني، ومررتها في فمي على عجالة، ومددتُ يدي الى ماكنة الحلاقة الصغيرة، فحلقت ذقني بسرعة غير معتادة، دون ان انتبه على حقيقة، وهي انني لم اكن على موعد ضروري، كي انهض مبكرا، باستثناء ان النوم لم يصاحبني ليلا حتى الهزيع الاخير، فتعكر مزاجي، فاطل عليّ الغبش ثقيلاً، متعباً ..
فماذا أفعل؟ 
توجهتُ الى مكتبتي المتواضعة في البيت، وجلستُ امام حاسوبي، وبدأت متفحصاً بريدي الخاص في صفحتي على "الفيس بوك" فوجدتُ طائرا، غريداً فيها، حمل سطوراً من سيدة، غابت سنوات، لم تنطق بالسؤال عني، بل نطقت صرخة، زلزلتني، حيث قالت بعد ان ذكرتني باسمها وشخصيتها، وكأنها في جبة النسيان، وهي التي كانت ملأى العين والقلب والوجد في سنوات عمري النديّ: " انها باكية القلب، حزينة النفس، دامعة العينين لأنها " قرأت يوما عبارة في أحد منشوراتي فيها ما يوحي ان حياتي في زمن " كورونا" تتأرجح قلقة مثل بندول الساعة بين الألم والملل والضجر والتعب..
توقفتُ امام سطور الرسالة، واحترتُ بم أجيبها؟
اختنقت بداخلي الكلمات وارتعشت أصابعي وهي تنضد على الحاسوب بعض كلمات الرد لها، واهتزت شفتاي وأحسستُ طرف ابتسامة باكية عليها، لكن وجداني رفض الاعتراف بهذه البسمة، واختلطت في رأسي الأفكار، فلا أعرف ماذا يجب عليّ ذكره، وماذا يجب عليّ فعله.. كأن اللحظات، وصور البعاد بيننا، ترفض المبارحة، انا حزين عليها، فقد انساق خيالها الى حيث اللا قرار!
انا مدرك، ان الوجد الانساني، كشجرة الزيتون.. لا تنمو سريعاً.. ولكنها تعيش طويلاً، ومدرك ايضا، ان بين التجذر والنسيان، خيط دخان.. قد ينقطع بنسمة هواء، لذلك، نحن نتقابل مع الناس في كل لحظة.. ولكننا لا نتقابل مع أنفسنا إلا نادراً، والحب هو المقابلة مع النفس.. فكيف مع مشاعر نبيلة، توقعت انها انتهت، لكنها عادت الى الحياة، عبر سطور " عابرة " كتبتها ربما بظرف خاص، فشعلت نارا مخبأة تحت رماد المشاعر الانسانية؟
لماذا اشرتُ الى هذه الواقعة، التي يدل اطارها العام الى إنها ذات خصوصية واضحة المعنى، لكني وجدتُ ان الإشارة اليها ضروري، حينما ندرك اننا ضمن مجتمع تتوالد فيه المصادفات وتتكاثر فيه العلاقات العامة وتزداد على سطحه العواطف بمختلف صورها.. فكيف نتصرف ازاء مثل هذا الموقف، سواء كان هذا الموقف عاطفيا او سياسيا او اجتماعيا؟ وهل نجعل النسيان طريقاً للتغاضي واسدال الستار؟ واسئلة اخرى تسحب معها العديد من التساؤلات .
إن صور الحياة اليومية، تبقى عالقة في الوجدان الجمعي منذ مرحلة الوعي المبكر وحتى العمر المتأخر، تأبى الزوال والهروب، فالحياة ليست تعارفاً بين أشخاص وحفظ أسماء وابتسامات وزيارات وروايات يتبادلها الأفراد في ما بينهم، إنها نسغ صاعد ونازل، ورؤى وتفاهمات وحكايات تنبع من الذات .
شكرا للإنسانة التي حفزتني سطورها، على كتابة ما كتبتُ، بعيدا عن السياسة وحرارة الجو وانقطاعات الكهرباء وزحام الشوارع !