الفيل أم الحمار؟

الصفحة الاخيرة 2020/09/08
...

جواد الكسار

بدأت القصة كمفارقة ثمّ دعابة فمناكفة سياسية ودعاية إعلامية مضادّة، قبل أن تتحوّل إلى التزام وشعار، فقد كان اسم الرئيس الأميركي السابع، هو أندرو جاكسون (1767- 1845م) وفي إبّان ترشّحه للرئاسة عام 1828م، استغلّ معارضوه التشابه اللفظي بين اسمه «Jackson» وبين لفظ «Jackass» الذي يعني الحمار، وأطلقوا عليه لقب الحمار متّهمين إيّاه بالغباء، نتيجة نزعته الشعبية، وشعاره الذي أطلقه: «دع الناسَ 
يحكمون»!
بدلاً من أن يذعن أو يستسلم أو يشعر بالانسحاق تحت وطأة هذه الدعاية، تجاوب جاكسون معها، حين عَمِد إلى رسم حمار على ملصقاته الدعائية، متّخذهُ شعاراً لحملته الدعائية، وهي الحملة التي انتهت بفوزه ليكون رئيساً لأميركا في 
المدّة: 1829 - 1837م.
تقاعد جاكسون عن رئاسة الحزب بعد خروجه من البيت الأبيض عام 1837م، لكن ذلك لم يمنع من أن يبقى الحمار شعاراً ملاصقاً للرؤساء الديمقراطيين من بعده، أمثال مارتن فان بيورين (1837 - 1841م) وفرانكلين بيرس (1853 - 1857م) وجيمس بتشانان (1857 - 1861م) ما دفع الحزب لإقراره رمزاً رسمياً للديمقراطيين عام 1880م، في دلالة مكثفة ترمز عند هذا الحزب إلى الصبر والعناد وقوّة الشكيمة.
لقد تحوّل الحمار في هذه القصة إلى رمز لتحشيد الناس شعبياً وراء الديمقراطيين، وشعار له دلالته على التصويت لهم خاصة بين الأميّين، ما دفع الجمهوريين إلى التزام شعار مماثل، جاء عبر اختيارهم الفيل رمزاً رسمياً للحزب الجمهوري منذ عام 1874م، في دلالة مكثفة على القوّة والنقلات النوعية الضخمة، وكذلك كاسلوب لتحشيد الناس العاديين، لاسيّما الأميّين، وراء الحزب.
وكملاحظة خاصة ترتبط بجاكسون، يبدو أن الحظّ قد تعثّر به، بعد الاحتجاجات التي ضربت الولايات الأميركية أثر مقتل المواطن الأسود جورج فلويد في 25 كانون الثاني الماضي، فقد خرّبوا تمثالاً له في مدينة جاكسونفيل المسماة باسمه في ولاية فلوريدا، وحاولوا إنزال تمثال آخر له قرب البيت الأبيض من واشنطن، لأن تاريخه الشخصي يكشف عن أنه كان يملك (500) 
من العبيد!
الطريف أن هذه الأعراف التي توارثتها قرابة خمسة أجيال من الأميركيين، تحوّلت بالتراكم ومرور الزمن إلى تقاليد راسخة، لها دلالاتها المباشرة على المعركة الرئاسية التي تدور اليوم بين بايدن الديمقراطي وترامب الجمهوري، يستحكم الصراع فيها داخل المخيال الشعبي الأميركي، بين رمزية الفيل والحمار، أو بين الصبر والعناد من جهة والقوّة الصلبة من 
جهة أخرى!