السيادة المُتباكى عليها

العراق 2019/01/08
...

حسين العادلي
 
السيادة، مبدأ قانوني سياسي بموجبه تكتسب الدولة حق ممارسة السلطة على مواطنيها وفي أراضيها ومع الدول. وتكتسب الدولة هذا الحق باستقلالها وتكامل أركانها (الأرض والشعب والسلطات والاعتراف الدولي)، فتكون السيادة هي المجسِّدة لاستقلالية الدولة ولممارسة سلطاتها وإلزام مواطنيها بجميع ما يصدر عنها من قوانين ومراسيم، وكذلك يخولها عقد الاتفاقات والمعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية.
السيادة نتاج الدولة الحديثة التي نشأت إثر معاهدة (وستفاليا 1648م) والتي أرست للمرة الأولى مبدأ سيادة الدول. وتطورت السيادة لتنظمها أكثر معاهدة (مونتفيديو 1933م) التي حددت حقوق وواجبات ومعايير الدولة، ثم ميثاق الأمم المتحدة 1945م.  كما أحدثت الثورة الفرنسية انقلاباً بمفهوم السيادة إذ سلبته من الملوك وأرجعته إلى الشعب، كذلك، فإنَّ مبدأ السيادة تطوّر: بتطوّر شرعية الحكم، وبتطوّر طريقة ممارسة الحكم داخلياً وخارجياً، وبتطوّر العلاقات الدولية بفعل العولمة وثورة الاتصالات وانهيار الحواجز بين الأمم، وأيضاً تطوّر بفعل حجم التداخل الدولي السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي وقضايا الأمن والسلم الدوليين، كل ذلك أثّر في مبدأ سيادة الدول داخلياً وفي علاقاتها الدولية. عراقياً، لم تُنتهك سيادة كما انتهكت سيادة الدولة العراقية بفعل السياسات غير المسؤولة لأنظمتها السياسية وبالذات نظام البعث الذي زج الدولة بحروب ومغامرات وكوارث داخلية وخارجية انتهت بوضع العراق تحت الوصاية الدولية، ويكفي أن نشير فقط إلى أنَّ مجلس الأمن أصدر 53 قراراً خاصاً بالعراق للفترة من 1990-2000م والتي خسر العراق بها الإنسان والأرض والثروة والتنمية وما زال يدفع ضرائبها إلى اليوم كالتعويضات وغيرها،.. ولم تنته مغامرات البعث/صدام بالدولة العراقية إلاّ باحتلالٍ أجهز كلياً على مبدأ السيادة.
السيادة وحدة تامّة لا تتجزأ، وتكاملها مسؤولية تضامنية لسلطات وأحزاب وشعب الدولة، ولن نستعيد السيادة التامّة إلاّ باستعادة الدولة، ولن نستعيد الدولة إلاّ بانقاذها من الاستلاب الداخلي والخارجي، ولن نوقف الاستلاب الخارجي إلاّ بإنقاذ الدولة من الاستلاب الداخلي. إنَّ المظهر الخارجي للسيادة يتمثل فقط بإرادة الدولة لتنظيم علاقاتها الخارجية دونما وصاية أو هيمنة على الإرادة الوطنية، وأنَّ المظهر الداخلي للسيادة يتمثل بالحق الحصري للدولة ومؤسساتها الشرعية لممارسة سلطاتها دونما منازع من أفراد أو أحزاب أو جماعات، فالدولة لا تتقاسم سيادتها مع أي دولة أو سلطة أو جماعة أو حزب أو مركز نفوذ.  الدولة الفاشلة بوظائفها، الفاقدة للنواة الصلبة للحكم الفعّال، ضعيفة المركز مهلهلة الأطراف، لا سيادة تامّة لها،.. فعندما تكون الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها ووظائف سلطاتها الداخلية تجاه رعاياها وعلى أرضها وتجاه الدول الأخرى، وعندما تغيب سلطة القانون وتذهب هيبة المؤسسات فتتغول الفوضى لينتزع المجتمع القوة من الحكم، وعندما يتسيد الفساد وتغيب المحاسبة وتنازع الأحزاب والجماعات الدولة بسيادة وأوحدية قراراتها، وعندما تتلاشى محرمات الدولة فيكون التخابر والتبعية وتنفيذ أجندات الأجنبي مشاعة وطبيعية دونما ردع، عندها لا سيادة حقيقية للدولة تحول دون الاستلاب. 
على مَن يبكي اليوم على السيادة من مسؤولين وأحزاب وفئات شعب أن يجهدوا بتضامن حي ووطنية عالية لبناء الدولة الصالحة القوية والخضوع لها، وإلاّ صار تباكياً مكشوفا سيدفع ثمنه الجميع، فبقاء الأمّة مقترن بقوة وسيادة الدولة.