عبد الهادي مهودر
قبل يومين وحّدتنا أنفاس (ناظم شاكر) وكانت أنفاسنا تصعد وتنزل معه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وتوقفت نبضات قلبه الشجاع.. ونحن الذين نبحث عن شيء يوحدنا وعن مشترك جامع ويوم نتوحد فيه ونحتفل به كعيد وطني فنعود ننبش في بطون التاريخ، وبالكاد نجد، وجدنا في لاعب الكرة ما افتقدناه بلا عناء ولا جدل، فلاعب كرة القدم العراقي نحبه باسمه المجرد عن لقب العائلة والعشيرة والمحافظة والقومية والمذهب.. وليس اكتشافا أن نجد جميع أسماء لاعبينا بهذه الصورة المجردة من الألقاب خلافا للأسماء الأخرى من العاملين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فاللاعب لايحمل غير اسمه الثنائي ويلبس فانيلة المنتخب التي تحمل العلم العراقي وكلنا نقف ونذرف دموع الفرح والحزن خلف حامل الراية حين تذوب وتنصهر في درجة حرارتها الكبرى كل الانتماءات والعناوين الفرعية والرايات الصغيرة، فمن منا يسأل أو يهتم لهويات اللاعبين، والمهارة وحدها أوصلتهم للنجومية، ومن يسأل عن هوية هادي احمد ورعد حمودي وعلي كاظم وحسين سعيد وباسل كورگيس وعماد محمد وليث حسين وحبيب جعفر ويونس محمود وهمام طارق وميمي وغيرهم، وعلى الرغم من سنين قاسية ورياح عاتية مرت على لاعبينا وملاعبنا فقد قاومت منتخباتنا وانديتنا الرياضية محاولات نقل عدوى العصبية والطائفية.
والراحل ناظم شاكر هو الثالث من لاعبي كرة القدم الذين توفوا بمضاعفات وباء كورونا بعد اللاعبين الراحلين علي هادي واحمد راضي وكان لرحيلهم أثر بالغ في تغيير قناعات الكثير من المشككين بوباء كورونا، عدا ماتركوه في قلوبنا من حزن وأسى عميقين.
والدرس الآخر من وفاة لاعبي الكرة هو أن الاهتمام والرعاية المركزة لاتشفع ولاتنفع حين يتمكن الداء من أعضاء جسم اللاعبين المعروفين بقوتهم البدنية، كما حصل مع اللاعبين الراحلين ومع ناظم شاكر الذي وقف إلى جانبه في مشفاه بأربيل زميله في المنتخب الوطني ووزير الشباب والرياضة عدنان درجال ومن خلفه كل العراقيين والاعلام والجمهور الرياضي، فهذا الوباء اللعين الذي خطف أرواح الملايين في العراق والعالم يتساوى أمامه المعروف والمغمور والغني والفقير والمسكين والملياردير، إذ صرع قبل أيام رجل الأعمال الثري وباني ملعب البصرة الدولي المرحوم عبدالله عويز وآخرين غيره ممن توفرت لهم كل أسباب الرعاية والاهتمام التي لم تتوفر لبقية المصابين من عموم المواطنين، لشهرتهم ومكانتهم ووضعهم المادي، ورحلوا مثلما يموت الفقير الذي يحجر نفسه بنفسه وداخل بيته ولايكلف الدولة فلسا واحدا والنتيجة واحدة في الحالتين والموت واحد.
وليت ناظم شاكر كان يرى ويسمع الجمهور الذي أقام له تشييعا كبيرا وحمل جنازته وهتف عند مقر ناديه العريق القوة الجوية وانتهاءً بمقبرة الكرخ في مشهد وفاء حزين ونادر يدل على ان العراقيين حضروا ليشكروا شاكر لمسيرته منذ عرفوه أسداً مرعباً للخصوم في خط الدفاع وشاباً محبوباً وجسورا وعنيدا وصبورا في المواقف الصعبة، مرورا بمشواره التدريبي وإلى لحظات مقاومته للوباء ودفاعه المستميت وحتى خط النهاية، فشكرا لناظم شاكر الطفل المشاغب واللاعب الغيور، والعراقي الذي لم يبرح خط الدفاع عن هويته العراقية حتى الموت.