«فينيسيا 77» .. مغامرة سينمائية في زمن الجائحة

الصفحة الاخيرة 2020/09/15
...

 علي حمود الحسن
دورة مهرجان فينيسيا السينمائي 77، لا تشبه غيرها، فهي ناجحة وغير مسبوقة، في ظل وباء شل عصب كوكبنا الأرضي، وترك ظلاله الحزينة على ساكنيه، وبذا كسبت هذه الدورة، شرف ريادة كسر الحظر المفروض على دور العرض والمهرجانات السينمائية، فضلا عن توقف الشركات الكبرى عن إنتاج الأفلام، فمعظم المهرجانات العالمية الكبرى أعلنت تأجيل فعالياتها، أواستأنفتها على المنصات الالكترونية، صاحب ذلك خوف وترقب صناع السينما وجمهورها، من تفشي الوباء وتلاشي الامل بعودة ثقافة الجمال، التي “ تطري” قسوة وصلافة عالمنا الضاج بالحروب والكوارث الاقتصادية والبيئية.
كالعادة تابعت فعاليات المهرجان، التي امتدت للفترة من 2 ولغاية 12 أيلول الحالي، من خلال شاشات التلفزيون والمواقع الصحفية، فضلا عما فاض به اساتذتنا من النقاد السينمائيين، الذين حضروا المهرجان بحكم تواجدهم أصلا في عواصم اوروبا، على شاكلة الناقدين السينمائيين محمد رضا وامير العمري، فضلا عن الزميل الناقد والصحفي عرفان الرشيد المقيم أصلا في فينيسيا، اذ صوروا وقائع ويوميات المهرجان وأحاطوا بكل جوانبه، وبذا عوضوا غياب نقاد الشرق الأوسط، الذين لم يتسن لهم الحضور، بسبب إجراءات الحظر الصارمة، وانخفض عدد المدعوين وجمهور المهرجان الى النص، ليس هذا و حسب، إنما كان حضور النجوم وصناع السينما بالحد الأدنى.
 لكن كيف تسنى لإدارة “ لاموسترا “ ان تحقق كل هذ، دون الاخلال بشروط الوقاية من الجائحة؟ الجواب ليس صعبا بوجود فريق عمل يديره السينمائي المخضرم ألبرتو باربيرا، اذ أنجزوا خلال ثلاثة أشهر، نظاما صارما للتباعد الاجتماعي يعتمد الية دقيقة، وتحدوا ما واجههم من عراقيل وانتقادات، لاسيما ان الايطاليين عانوا كثيرا من الفيروس، ومن أبرز الإجراءات التي نفذتها إدارة المهرجان عزل النجوم عن الجمهور بجدار، والعمل بالحجز الالكتروني، وتقليل أعداد المشاركين الى النصف تقريبا، حفاظا على قواعد التباعد الاجتماعي، وإلغاء بعض الأقسام، ونُقل قسم كلاسيكيات السينما الى خارج المدينة، فضلا عن تأثيث ساحتين للعرض الخارجي وأشاد باربيرا بالتزام صناع السينما والصحفيين بالضوابط، لكن هذا لا يعني عدم وجود منغصات، فمثلا اعتذر المخرج الروماني كريستي بيو عن استكمال مهمته.. في لجنة التحكيم، فمن وجهة نظره “من المستحيل مشاهدة فيلم مدته 200 دقيقة، بينما يرتدي الجمهور الكمامة”.
أسدل الستار على فعاليات أعرق المهرجانات وأقدمها، وأعلنت الجوائز، التي لا ترتقي لعظمة هذه المغامرة البصرية المنضبطة، بقدر القيمة المعنوية لهذه المشاركة الفريدة، فنال أسدها الذهبي الفيلم الأميركي “ أرض الرحل” للمخرجة الصينية الاصل كلوي تشاو، التي كتبت السيناريو له أيضا، الفيلم يقتفي أثر امرأة ستينية جوالة بعد ان فقدت كل شيء في الكساد العظيم، فتلتقي بآخرين لفظهم المجتمع الرأسمالي في خريف عمرهم، فيشكلون مجاميع يبحثون عن حياة آمنة في البراري والأماكن البعيدة، وبحسب النقاد “ الفيلم يمس محنة الانسان المعاصر في عالم رأسمالي موحش”، وكلوي مخرجة مقلة شاهدنا لها فيلم “الراكب” الذي يحكي قصة مروضي الخيول البرية.
وحصل “ زوجة الجاسوس” للمخرج الياباني كيوشي كوروساوا، على جائزة أفضل فيلم، وخطف الإيطالي بييرفرانشيسمو جائزة أفضل ممثل عن دوره في” بادرينوسترو”، وحازت البريطانية فانيسا كيربي على جائزة أفضل ممثلة، بينما منحت لجنة التحكيم جائزتها الكبرى الى المخرج الفرنسي المكسيكي الأصل ميشيل فرانكو عن فيلمه “ النظام الجديد”، وذهبت جائزة التحكيم الخاصة الى المخرج الروسي اندريه كونشالوسكي عن فيلمه” الرفاق الأعزاء”.
وفازت المغربية بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في “زنقة كونتاكت” للمخرج إسماعيل العراقي، كما حصل الممثل السوري يحيى مهايني، على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم التونسي “ الرجل الذي باع ظهره”، وخطف الفتى الايراني روح الله زماني جائزة أفضل ممثل عن فيلم مجيد مجيدي “ أبناء الشمس”، هذه الأفلام العربية حصلت على دعم وتمويل أول من مهرجان “الجونة” السينمائي، الذي ستنطلق دورته في شهر تشرين الأول المقبل، وستكون هذه الأفلام ضمن عروضه بحسب تصريح مديره الناقد السينمائي انتشال التميمي.