محمد عبد العزيز سبق فكرة «الطفيلي» قبل نصف قرن بـ «ممنوع»

الصفحة الاخيرة 2020/09/23
...

  القاهرة: صفاء الليثي 

خصت الناقدة السينمائية المصرية صفاء الليثي صفحة "سينما" بما كتبته في مقالتها عن بدايات المخرجين المصريين، أهمية المقال تعود الى نقطتين؛ الأولى التقاط الليثي وهي المونتيرة المتمرسة لفكرة باكورة فيلم المخرج محمد عبد العزيز بانها تشبه الى حد ما ثيمة الفيلم الكوري " طفيلي" الفائز باوسكار2019، والثانية نهج القطاع العام المصري في دعم الشباب، اذ مول وسوق فيلم "صور ممنوعة" المتضمن ثلاث قصص ينفذها فريق عمل كامل، وبذا نضمن رفد صناعة السينما بشباب واعد ، هذا الفيلم قدم رأفت الميهي ونور الشريف وزيزي مصطفى وعشرات من الفنانين والفنيين. 

كانت التجربة الثانية للقطاع العام في السينما، لتشغيل خريجي معهد السينما، من خلال أفلام ثلاثية الأجزاء، ناجحة وأشرت ولادة مخرجين موهوبين، بل كانت تجاربهم الأولى مثمرة وقوية منها: على سبيل المثال فيلم "صور ممنوعة"، الذي تم اختيار محمد عبد العزيز، خريج الدفعة الثانية عام 1964 لإخراج الجزء الأول منه بعنوان "ممنوع"(1972)، هذا الفيلم كان يحمل فكرا ثوريا ويدعو الطبقة المطحونة الى مشاركة الطبقات الأعلى امتيازاتها، وهو فيلم قصير طوله (33) دقيقة، كتب السيناريو وألف قصته رأفت الميهي، استطاع المخرج بهذا الوقت القصير، أن يقدم عملا كبيرا وجدته يسبق "طفيلي" الكوري بنصف قرن، لا سيما مشهد أسرة السائق التي احتلت بيت الأغنياء وحلمت بالتمتع بنعم الحياة.
يبدأ "ممنوع" بجرسون شاب منبهر بالأضواء في مكان يسهر فيه الأغنياء، نور الشريف في بداياته، ثم قراره بأن يصحب خطيبته وأخته وزوجها صاحب "الكارو" في سهرة أثناء نوبة حراسته للمكان، بتشجيع من توفيق الدقن، الذي يردد دائما: "ما حدش أحسن من حد وكلنا ولاد تسعة، ليه ممنوع يدخلوا الحتت دي، هعدي بيها كوبري السلطان أبو العلا وندخل"، إنها نظرة اشتراكية ونقد لفروق الطبقات وقضاء سهرة في "الميرلاند" وعبور حاجز الطبقات الذي سبق وعبر عنه صلاح أبو سيف في أفلامه خير تعبير.
 انها ليلة واحدة يحلمون فيها ويعيشون، كما أصحاب الحظوة تنتهي بمساعدة العسكري، الذي ناله من الحظ جانب، فماجدة الخطيب في دور "زينات" تؤكد أنها هانم لا تقل عن أي واحدة، اذ تقول: "مش أنا أحسن من ستاتهم" ، وتغير أوضاعها كأنها في جلسة تصوير واثقة من استحقاقها لحياة الرفاهية. 
حقق مونتاج احمد متولي الجدل بين اللقطات، من خلال إيقاع حي بالانتقال بين لقطات متنوعة الأحجام في ميزانسين بارع، سنجده في معظم أفلام محمد عبد العزيز، وسينجح في تدريسه لاحقا لطلبته، بعدما أصبح معيدا، ثم مدرسا بمعهد السينما..
يختتم " ممنوع" 1972 بجملة من المعلم عوض (توفيق الدقن): "الصح ان امبابة كلتها رجالتها ونسوانها وعيالها ييجوا هنا، يقعدوا فيها، يأكلوا ويشربوا زي ما همه عاوزين، يا بلاش"، أداء توفيق الدقن المميز تعبير عن رفضه للحل الفردي، وإعلان لانحياز صناع الفيلم لحق البسطاء في نصيب من الرفاه..
والمفارقة ان الفيلم تعرض لهجوم شرس من الصحافة، اذ شن الكاتب الصحفي محمد الحيوان هجوما عنيفا على المخرج في مقالاته بجريدة الجمهورية، واتهمه بالترويج للفكر الشيوعي، وحذر من الأفكار الخطرة والهدامة، التي بثها "ممنوع" في رسالته، ويبدو أن هذا الهجوم دفع محمد عبد العزيز، لاختيار الكوميديا في أفلامه، اذ نراه ابتعد في أفلامه التالية، عن أي فكرة تعيد إليه تهمة الشيوعية، أو تقترب منها، فكان أن انتجت له ماجدة الخطيب عمله الطويل الأول " في الصيف لازم نحب"(1974) الذي يبدأ من مستشفى للصحة النفسية، نشاهد أربعة شبان عانوا من أزمات نفسية مختلفة ، طبيبهم يفكر في طريقة لعلاجهم، من خلال تنظيم رحلة صيف على شاطئ البحر، تنفرج اساريرهم، ويلتقون ثلاث فتيات جميلات يحبسهن والدهم، ويفرض عليهن عباءات سوداء، فيتحايلن للخروج الى الشاطئ، لنتفاجأ بمشهد غير متوقع، اذ يخلعن عباءاتهن ويظهرن بلباس البحر يتشمسن في شاطئ العجمي الذي كان الأب المتزمت، يمارس فيه سرقة "المايوهات" بشكل سري، لنعرف، فيما بعد ان الاب يعاني عقدة نفسية، فهو مهووس بسرقة الأشياء التي تخص النساء، وهو نوع من الانحراف النفسي الخفيف، نتيجة الانعزال عن الجنس الآخر . 
 الفيلم الكوميدي لا يتعارض مع مناقشة القيم الاجتماعية، بل يقدمها في أسلوب رومانسي غنائي، ومع الكوميديا يمكن للعقد أن تحل، حيث الحياة والانطلاق في صيف ينتهي بأغنية مرحة خفيفة، شيء طبيعي لو نحب، شيء طبيعي، كما أنه من الطبيعي أن يختار المخرج الدارس أسلوبا لعمله ليس واقعيا بالضرورة، ومع ذلك ففيه التزام بقضايا المجتمع مقدم في قالب محبب للناس وللجماهير الواسعة، شاهدت " في الصيف لازم نحب" للمرة الأولى في دار سينما مترو وأعجبني، وتوقفت عند مونتاج مشهد مجموعة الشباب" بالموتوسيكلات" على الكورنيش، يومذاك كنت في بداية دراستي للمونتاج، وكنت معجبة بالإيقاع السريع، والانتقال الرائع بين اللقطات، ويعود الفضل في ذلك الى مقص المونتيرة رشيدة عبد السلام الذهبي، الذي رافق معظم اعمال محمد عبد العزيز، بضمنها 18 فيلما كوميديا مع عادل إمام، وأعمال كثيرة أخرى زاخرة بالنقد الساخر للظواهر السلبية في المجتمع، مبتعدا عن الفكر الشيوعي الذي هرب منه في بداياته، على الرغم من تلمذته على يدي الكثير منهم، خصوصا المخرج صلاح أبو سيف، والناقد لويس عوض.