التعددية

الصفحة الاخيرة 2020/09/25
...

حسن العاني 
يذهب علماء الاجتماع الى وصف العراقي بأنه انسان حاد ومتطرف ولا يعرف حلاً وسطاً، والامور بالنسبة له (اسود او ابيض)، حين يغضب ينسى احب الناس الى قلبه، وحين يهدأ يعفو عن قاتل ابيه، وآية ذلك كما يرى بعض اساتذتنا ان شعباً يعيش في بلد ساخن تشوي حرارة صيفه اسماك الشبوط في النهر، لا بدّ أن يكون على هذه المزاجية العالية من التطرف! ولعل رئيس النظام المقبور قد ادرك هذه الخاصية واستثمر الجانب السلبي منها، فلم يكن مسموحاً بالتعددية الحزبية في عهده، ولا بالرأي والرأي الاخر، بل هناك حزب واحد ورأي واحد وقائد واحد واعلام واحد، وهو كما نذكر جميعاً قتل في لحظات (غضب) اقرب المقربين اليه من اهله وعشيرته ورفاق دربه، وفي لحظة (سعادة) فتح ابواب السجون والمعتقلات أمام الجميع بلا استثناء، سواء كانوا مظلومين أو ابرياء، ام كانوا لصوصاً وقتلة ومرتشين ومزورين واصحاب جرائم اخلاقية، ما زال المجتمع يعاني من وطأة افعالهم الشريرة الى الآن.. ولنا أن نضرب على ذلك الكثير من الاحداث والامثلة!
سقطت امبراطورية النظام السابق وسقط معها اكبر شعاراتها (ان لم تكن معي فانت ضدي)، ودخل العراق عهداً جديداً كانت اولى ميزاته اجهاض مقولة (الابيض والاسود)، وثبت بطلان الرأي الذي ذهب اليه بعض أساتذتنا، بدليل اننا بعد بضع سنوات فقط على سقوط الامبراطورية، اثبتنا بأننا شعب يتعلق بالتعددية الى حد الايمان او الأدمان، حتى بات كل شيء خاضعاً لسلطانها، فهناك رأي ومئة رأي آخر، مثلما هناك مئة مطبوع وفضائية، ومئة حزب واتحاد وجبهة ورابطة ومنظمة (يستثنى من ذلك منظمات المجتمع المدني فهي بالالاف!).. وفي تشكيلة البرلمان تعددية كما في الحكومة ومجلس الرئاسة، نناقش قضية الاقاليم مثلاً أو الفيدرالية برؤى متعددة، طرف معها، طرف ضدها، طرف متردد، طرف يطرح بدائل، طرف يقترح التطبيق الآني، طرف يدعو الى التأجيل، والاطراف كلها تتعايش معا من غير اقصاء ولا تكميم افواه، والشيء نفسه يحدث مع عشرات القوانين الاخرى، وكل صغيرة وكبيرة!
القارئ الجيد للمشهد العراقي والمتابع له عن كثب ستلفت انتباهه ظاهرة غريبة، وهي أننا تمادينا في منهجنا التعددي وطريقة تطبيقنا له، بحيث عدنا الى (التطرف) من جديد فلم نكتف بالتعدد والتعددية التي انجزناها، بل اصبحنا قريبين جداً من اليوم الذي سنضيف فيه فقرة جديدة الى الدستور تلزم العراقيين بتعدد الزوجات!! من دون الالتفات الى غضب النسوان لأنه زوبعة في فنجان لا اهمية لها امام سطوة "الاكثرية"، ومن دون الالتفات الى اصوات العديد من الرجال الذين يعترضون على هذه الفقرة، لأنها اصوات منافقة تناصر المرأة في العلن وتتزوج عليها في السر!!