من دفتر اليوميات

الصفحة الاخيرة 2020/09/26
...

مقداد عبد الرضا
الى صاحبي أكرم عداي الذي مات من الرقص عند جبهة القتال:
كان الوقت يقارب انتصاف الليل، صرير باب حديدي تبعته صرخة مكتومة، بدا جلياً أنَّ هناك شخصاً ما يصعد السلالم، أظنه تعثر، فعامل النظافة عادة يترك ملابسه عند السلالم ويذهب ليقضي الوقت عند الغانية التي تستحم من دون توقف، كانت الخطوات تبدو وكأنها خطوات قط أو أنه صاحبي الذي عادة ما ينتعل حذاءً مطاطياً، تلك هي طريقته في اللعب واستغفال القطط، في بيته تسكن ما يقارب الخمسين قطة، تطلعت من ثقب الباب المنخوب، لم تكن سيدة البيت قد وضعت العين السحرية بعد. 
كان المشهد مروعاً، وجهٌ دام ظننته صاحبي، لكنَّ صاحبي ذاك وفي العام 1978 وبعد خروجنا من سينما النصر، الدور الأخير وبعد أنْ شاهدنا للمرة الخامسة فيلم قصة الحي الغربي، أخذ وللمرة الخامسة يرقص ويرقص حتى هده التعب ومات من الحزن عند جبهة القتال، أو ربما مات من الفرح، من يدري؟ حتى أنَّ حذاءه المطاطي كان قد انتزعه من ساقي أحد الشحاذين السكارى واختفى في دروب البتاويين وهو يرقص.
أفتح عيني على وسعها، كانت شعرة قد علقت عند ثقب الباب، في المنتصب، ياللعجب، انقسم المشهد الى نصفين، عند الجهة اليسرى كان الماء ينسكب من نزل الغانية وصوت بكاء عامل النظافة، عند الجهة اليمنى امتد اصبع اخترق عيني، صرخت كالملسوع وغيب المشهد، في اليوم التالي كان عامل النظافة يجمع ملابسه وينتعل الحذاء المطاطي ذاته الذي كان ينتعله صاحبي الذي مات من الرقص عند جبهة القتال في العام 1983.
 
الى خالتي في لحظاتها الاخيرة التي لا أعرفها تماماً:
هي محاولة في القص ربما تكون رواية قصيرة أم قصة طويلة، شخصياً لست من ذوي النفس الطويل ربما تكتمل يوماً أو تخضع للسرقة أو ربما أضعها في زجاجة وأسربلها في دجلة لعلَّ أحدهم يعثر عليها ويكملها.
دائماً يجافيني النوم بسبب ذراعي التي أحار أين أضعها، إذ يصيبها الخدر، فأنتفض صارخاً، وعلى إثر هذا الصراخ تتطاير أسناني في الظلمة التي تحيط بي ويهرع الجيران يودون معرفة السبب لهذا الصراخ، خالتي التي بلغت الستين من العمر يسرها هذا الصراخ والسبب أنَّ من بين الذين سيحضرون للاستفسار سعيد الخياط ابن الثلاثين، لأنها أي خالتي تتعمد أنْ تحصر قميص نومها كي تغريه، خالتي أجمل ما فيها صدرها على العكس من سيقانها، فهي دائما تتذمر حين كان شباب الحي يصرخون كلهم مرة واحدة حينما تمر من أمامهم (مغزل) لذلك كانت دائماً مضطرة أنْ ترتدي أشياءً واسعة من تحت وضيقة من الأعلى، أزواج ثلاثة تورطوا في الزواج منها وكلهم ماتوا خنقاً، كيف؟ كانت في كل مرة تسمح للزوج أنْ يدسَّ رأسه في صدرها وحينما تقارب الضجة روحها تضغط كثيراً على رأس المسكين فيموت اختناقاً، ليس 
هذا هو المطلوب من سرد هذه الحكاية البائسة، إنما هي الحيرة التي تتملكني بعد كل الصراخ وتطاير أسناني، كيف سأتمكن من العثور على أسناني في هذا الظلام الدامس، ما يهون الأمر أنَّ أسناني تلمع وهذا ما يساعدني على التقاطها، لكن الحيرة تتلبسني مرة أخرى حينما أحاول أنْ أعيدَ ترتيبها في فمي، أضع مثلاً سن العقل بدل الناب وأسنان الفك الأعلى أضعها في الأسفل، يصيبني 
حزن شديد يتحول الى بكاء يتصاعد الى هستيريا تشعل رغبة خالتي فتسرع الى سعيد الخياط، تحاول أن تهدهدني، تضع رأسي فوق صدرها وتعيد ترتيب أسناني بعد أنْ تطرد سعيد الى خارج الغرفة.