التوجه العراقي نحو أوروبا

آراء 2020/10/26
...

   محمد كريم الخاقاني 

تندرج زيارة رئيس الوزراء العراقي الى كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا في إطار تعزيز العلاقات العراقية مع تلك الدول؛ لما تتمتع به من وزن دولي، فبناء شبكة علاقات متعددة عبر اتّباع سياسة خارجية فاعلة في المحيط الدولي يسهم ومن دون شك في تحقيق المصالح العراقية العليا وبالخصوص بتوجهها الجديد نحو الانفتاح على الجميع، والبحث عن بدائل مقبولة بعيداً عن التأثير الأميركي، فالعراق كأي دولة تسعى الى إقامة علاقات مع الدول بقصد تحقيق مصالحه واهدافه دون ان يكون ذلك الأمر مرتهناً بحسابات او خضوع لدولة ما، ورهن قرارها السيادي لها. وفي هذه المرحلة التي يمر بها البلد، لا بد من انتهاج سياسة منفتحة على الجميع وبشكل مخطط ومنظم وبعيداً عن السياسات الضيقة، إذ من شأن تلك الخطوة ان تسهم في تقليل الآثار الاقتصادية التي يعاني منها العراق، وتوفير البدائل الضرورية وتعددها لتجاوز الأزمات وتعمل على بلورة سياسة وطنية داخلية تساعد على تقليل حالة الانقسام والشد الداخلي لبلورة موقف خارجي موحد.
وترتبط زيارة السيد الكاظمي في هذا التوقيت، بتداعيات آثار جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها العراق والتي ألقت بظلالها على المشهد الداخلي العراقي برمته، فكان لا بد من البحث عن مخارج وإيجاد حلول سريعة لتلك المشاكل المزمنة التي عصفت وما تزال بالبلد، فبغداد تعول على الدور الأوروبي في هذه المرحلة، وتنويع الأدوار وعدم اقتصارها على الفاعل الأميركي، لتكون المساهمة هذه المرة من قبل الدول المؤثرة اوروبياً، لتعزيز حضورها الاقتصادي والاستثماري داخل العراق، وبما يساعد على عدم الاعتمادية المطلقة على واردات النفط الريعية، لتكون الدولة مهيأة في المرحلة المقبلة للتعامل مع ما يستجد من ازمات تواجهها والتعاطي معها وفقاً لأسوأ المشاهد، فعند المقارنة الاقتصادية بهذا المجال، نجد بأن الميل يتجه نحو تغليب الأفضلية الأميركية والصينية على الاوروبية وخصوصاً في قطاعات النفط والطاقة والتسليح، فضلاً عن بقية القطاعات الأخرى، أي بمعنى، أن حجم المبادلات مع اوروبا لا يرقى لما هو عليه الآن مع الولايات المتحدة الأميركية، وعليه لا بد من إعطاء دور جديد لأوروبا في السياسة العراقية، إذ أن المطلوب إحداث تحولات جذرية في تفضيل الجانب الأوروبي على غيره في هذه المرحلة بالذات للتغلب على الاعتمادية الأميركية وتحقيق التوازن ولو نسبياً، فمتغيرات الوضع الدولي تضغط باتجاه دعم التوجه الأوروبي نحو العراق، لتوافر العديد من الفرص الستراتيجية المهيأة للعراق على اقل تقدير في الأمد المتوسط القريب، وهذا ما يعطي ميزة وحافزا للدول الأوروبية لتغيير بوصلتهم نحو العراق، فمثلما تبحث الدول عن مصالحها واهدافها وتسعى الى تحقيقها في العراق، فالمطلوب وفقاً لتلك المعادلة، ان يكون الهدف والمصلحة نفسها للعراق في تعامله مع الدول الأوروبية، فالزيارات المتكررة من رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية اوروبية في الآونة الأخيرة، إنما تعكس بطبيعة الحال، تلك التوجهات الجديدة والسياسات الأوروبية نحو العراق واهتمامها المتزايد به. 
إنّ بحث الأوروبيين عن موطئ قدم في العراق والمنطقة بدأت ملامحه تظهر بصورة متزايدة في ساحات نفوذ قلقة بسبب التواجد الأميركي فيها، إذ تسعى الولايات المتحدة الأميركية بكل ما تمتلكه من إمكانات سياسية وعسكرية واقتصادية من إبقاء نفوذها فيها على الرغم من المنافسة الأوروبية لها، وذلك من خلال إبقاء الآخرين تابعين لها ولا يخرجون عن هيمنتها وسيطرتها، كما في حالة قيادتها للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي عام 2014 بعد احتلال داعش لمدن عراقية. 
إنّ زيارة الكاظمي الى باريس وبرلين ولندن تحمل في طياتها بعداً سياسياً واقتصادياً، فمن الجانب السياسي تنطوي الزيارة على رغبة متبادلة بين العراق والدول الأوروبية، وذلك من خلال دعمها للعراق واستعادة دوره الغائب عنه منذ عقود طويلة في المنطقة كموازن إقليمي، فضلا عن جانبها الاقتصادي الذي تمخض عنه بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بخصوص تفعيل العمل الاستثماري عبر توقيع عدد من المشاريع التي سيتم العمل بها من قبل الشركات الفرنسية والأوروبية الأخرى، فالاهتمام الأوروبي بالعراق وبدوره ومكانته إنما يعكس مصداقية حكومته، فكثير من الدول وعلى لسان مسؤوليها ترغب في زيارة العراق وتعزيز علاقاتها معه، ومن دون ادنى شك، فإن الوفد الحكومي الكبير والذي ضم وزراء الخارجية والمالية ومحافظ البنك المركزي العراقي واقتصاديين يوجه رسالة مفادها بأن العراق يرغب بالعودة لمكانه الطبيعي ووضعه الصحيح ليبدأ من جديد دورة نمو اقتصادية، وذلك من خلال الانفتاح على الكل وتحقيق الشراكات الاقتصادية مع الشركات الأوروبية، فالدعم الاقتصادي بوابة الاستقرار 
السياسي. 
 
 أكاديمي وباحث في الشأن السياسي