القرية الكونية

الرياضة 2020/11/03
...


محمد صالح صدقيان 
 
استوقفتني فكرة طرحها زميل بشأن الانتخابات الاميركية. الفكرة ان العالم اصبح «قرية كونية» وان «كل مواطن في القرية الكونية يشعر ان له الحق في ان يكون ناخبا وان يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي باتت تترك اثرها في حياة 8 مليارات من سكان العالم». زميلنا الذي طرح هذا التصور الذي يستبطن الكثير من الواقعية كان يشير بوضوح الى تأثير السياسة الخارجية التي يتخذها الفائز في هذه الانتخابات في جميع دول وشعوب المجتمع الدولي.
صحيح ان تداول السلطة في الولايات المتحدة لايعني بالضرورة ان تطرأ تغييرات دراماتيكية غير محسوبة على السياسة الخارجية ؛ لان ستراتيجية ومحددات السياسة الخارجية الاميركية تمتلك من الركائز التي لاتتأثر بتفوق حزب او فوز مرشح؛ وهي في نهاية المطاف مرتبطة بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة. لكن الصحيح ايضا ان مزاجية الرئيس وارضيته الفكرية والثقافية؛ وعلاقته بمتبنيات الحزب الذي ينتمي له تسمح له بان يتحرك في « منطقة الفراغ » التي وفرها له المشرّع من جانب؛ وقواعد اللعبة من جانب اخر ؛ والمصالح الاميركية الحيوية من جانب ثالث. 
إن المشهد الدولي الراهن تتحرك فيه اربع قوى سياسية هي الولايات المتحدة والصين وروسيا واوروبا اضافة الى قوى محلية صاعدة في القارات المختلفة؛ وان جميع دول هذا المشهد تنتظر حدثا حاسما ومهما وهو نتائج الانتخابات الاميركية.
ملف السياسة الخارجية ليس من الموضوعات الحاسمة في الانتخابات الاميركية؛ الا ان الجميع يعتقد ان نتائج الانتخابات ترسم خطوطا جديدة للسياسة الدولية وتفتح ابوابا على مسارات اخرى في العلاقات الدولية تحددها شخصية الفائز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. 
الديمقراطيون غالبا ما ينتهجون طرقا مثالية في تحقيق الاهداف من خلال احترام الشرعية؛ ومبادئ القانون الدولي وحل الصراعات بالطرق السلمية وعدم تشجيع التسلح والاهتمام بقضايا البيئة والمناخ وحقوق الانسان. في حين يركز الجمهوريون على استخدام القوة العسكرية في حفظ المصالح الحيوية ويهتمون بصناعة النفط وتسويق السلاح. 
تقليديا؛ كانت الانظمة السياسية في منطقتنا مرتبطة بالحزب الجمهوري الذي كان يدعم هذه الانظمة التي تتلقى الدعم المتزايد من الرؤساء الجمهوريين في مقابل الرؤساء الديمقراطيين الذين كانوا يعارضون هذه الانظمة على خلفية حقوق الانسان والحريات والديمقراطية التي كانت مفقودة في هذه الانظمة منذ عقد من الزمان. ربما يشعر البعض في منطقتنا ان الارتباط بالديمقراطيين لايحقق طموحهم وانهم ليسوا حاسمين في تصوراتهم اضافة الى ان القيم التي ينادون بها لاتنسجم مع تطلعاتهم وتتعارض مع طبيعة الانظمة السائدة؛ بينما الجمهوريون ينظرون الى مصالح الولايات المتحدة الحيوية من خلال الاعتماد على القوة والحسم العسكري من دون النظر الى طبيعة الانظمة السياسية سواء كانت ملكية او جمهورية او وراثية؛ ديمقراطية كانت ام ديكتاتورية؛ لان هذه الانظمة يجب ان تكون انظمة وفق قاعدة «البقرة الحلوب» تعطي للولايات المتحدة ومصالحها اكثر مما تأخذ. وهذا لايعني ان الديمقراطيين «حمل وديع» عندما يتعاملون مع المشهد الدولي لكن الاساليب تختلف في تحقيق مصالح الولايات المتحدة الحيوية. 
في منطقة الشرق الاوسط هناك عدة ملفات ساخنة تنتظر الحل في «مطابخ السياسة». ايران؛ الخليج؛ اليمن؛ العراق؛ سوريا؛ لبنان؛ ليبيا وقبل ذلك القضية المركزية في فلسطين المحتلة. لا احد ينكر ان احد الاسباب الرئيسة في حل هذه الملفات يعود الى الية سلوك «أهل الدار» في جميع هذه المناطق؛ لكن ايضا لا احد ينكر تأثير المواقف الخارجية وقدرتها على ايجاد حلول في استقرارها وديمومة امنها القومي والوطني 
والاقليمي. 
في عهد الرئيس ترمب؛ لم تتجه اي من الملفات المعقدة والشائكة للحل؛ كنا ننتظر ان يجنح الرجل لحلها وفق منطق الربح والخسارة الذي يؤمن به باعتباره رجل اعمال وتاجرا؛ لكن الظنون خابت عندما فشل في توازن كفة الميزان؛ الامر الذي اوقع جميع المشترين والمتعاملين في زاوية حرجة لايحسدون عليها بما في ذلك اولئك الذين دخلوا معه في صفقات سياسية وامنية؛ اللهم الا الجانب الاسرائيلي المتمرس في استغلال الاخرين ليكون هو الرابح الوحيد  من دون شريك عندما قبل الرئيس ترمب ان يكون قناة لتمرير المواقف الاسرائيلية الاكثر تطرفا والاكثر 
يمينية.
يتوقع؛ بل يتمنى المشهد الدولي في اوروبا والصين وروسيا وبقية المناطق ومن ضمنها منطقة الشرق الاوسط ان يعطي الرئيس الأميركي الجديد « ايا كان » جرعة من الامل المفقود لشعوب العالم بانها تستطيع ان تتجاوز مشكلاتها الاقتصادية والامنية والسياسية بعدما اضيفت لها المشكلات الصحية بسبب «جائحة كورونا» بشرط ان تكون دولنا وشعوبنا ومشهدنا السياسي مهيأة للحوار مع رئيس «القرية الكونية» وتحقيق مصالحنا الحيوية.