عمليات التجميل الغنائي

الصفحة الاخيرة 2020/11/09
...

سامر المشعل 
اختلفت بشكل كبير جدا مواصفات النجومية بين الماضي والحاضر، في السابق كانت تخضع عملية التقييم الى توفر الثالوث الابداعي في الغناء، ويقصد به: الكلام واللحن والاداء. فاذا كان الكلام رصينا ومعبرا واللحن وظّف النص بصيغ جمالية تماهت مع المعنى وراع امكانية صوت المطرب ومساحته ومناطق الجمال فيه، وتوفر الصوت الجميل والمعبر عن هذه الاحاسيس باداء متقن، يكتب لهذا العمل النجاح ويستقبله الجمهور بحب وتقدير.
اشتراطات التقييم الجمالي في الوقت الحاضر، اصابتها اهتزازات قيمية مثلما اصابت الكثير من البنى في العديد من مناحي الحياة. صارت هناك اشتراطات جديدة في عملية التقييم ومواصفات نجم الغناء، أولت اهتمامها على الشكل والمظهر وفي مقدمة هذه الشروط هي الوسامة والستايل، الذي يطل به الفنان، من دون النظر الى عمق ومحتوى الفنان كالثقافة والرسالة الفنية والقيمة الجمالية للفن الذي يقدمه!.الذي شجع على ذلك الفضائيات والبرامج التي تجري مسابقات اختيار المواهب الغنائية، فاذا كان الفنان لا يتمتع بقدر من الوسامة من الصعب عليه اختراق لجنة التحكيم!.
لذلك اتجه الفنانون والفنانات الى مراكز التجميل لاجراء عمليات التجميل وبشكل مستمر على الانف أو نفخ الخدود والشفتين بالاستعانة بالسلكون والبوتاكس وزرع الشعر وتسريحه وازالة التجاعيد،لأن المطرب لابدّ ان يظل شابا في عيون معجبيه، ومن مظاهر الترف أن تدخل قاعة رياضية (Gym) أو ناديا ترفيهيا للترشيق وممارسة الرياضة.
هاجس النجومية جعل الفنانين يتجهون نحو مراكز التجميل وقاعات الترشيق بدل الدخول الى المعاهد والمراكز الثقافية والقراءة لتحصين وتوسيع شخصيتهم الفنية والثقافية والفكرية.
وسامة الفنان واناقته مطلوبتان في كل مكان وزمان، واذا عدنا قليلا الى الوراء عبد الحليم حافظ، هاني شاكر، وديع الصافي، عبد الله رويشد، سعدون جابر، فؤاد سالم، قحطان العطار.. كانوا على قدر من الوسامة والاناقة، الى جانب ذلك يقدمون فنا أنيقا وجميلا، وكل منهم له شخصية فنية تميزه عن الاخر.اذا كان قدر الانسان أن يكون قليل الحظ من الوسامة أو الجمال، وعلى قدر كبير من جمال الموهبة، فليست هنالك كوابح توقف هذه المواهب من الظهور، وتحظى بالنجومية وحب الجمهور لها، مثل كوكب الشرق أم كلثوم، فريد الاطرش، عوض دوخي، سيد مكاوي وسعدي الحلي.. وآخرين.
هؤلاء الفنانين الكبار حظوا بمكانة مهمة وحب وتقدير الجمهور، لان قوة موهبتهم وقيمة الفن وجماله طغتا على شخصيتهم، وكان المتلقي آنذاك ينظر الى قيمة ومحتوى ما يقدمه الفنان، الى جانب اناقة الفنان ووسامته.والعكس تماما مما نشاهده الآن على الشاشات، أجسادا شبه عارية فاتنة ومثيرة للغرائز الجنسية، ومغنين يتمتعون بوسامة وقوام رشيق وعضلات مفتولة وازياء بماركات عالمية، لكنهم يقدمون فنا ساذجا لاقيمة ذوقية أو ابداعية تتوفر فيه.
بمعنى آخر تحول الغناء من الاذن التي تطرب لما تسمع، الى ايهام بصري بازياء واشكال جميلة فارغة المحتوى، وتحول الغناء من حاجة روحية تغذي المشاعر والاحاسيس الى فن استهلاكي يحرك الجسد للاستمتاع بالرقص وقضاء وقت معين، ثم تنتفي الحاجة منه بعد حين.