«يوم النصر».. انتقالة في تاريخ العراق

العراق 2020/12/10
...


  بغداد: هدى العزاوي وعمر عبد اللطيف
 
عد قادة عسكريون وسياسيون وخبراء حقوق انسان، يوم النصر على مجرمي «داعش» وتحرير المحافظات التي احتلوها عام 2014، انتقالة في تاريخ العراق، مؤكدين العمل على إغلاق ملف النازحين الذي تسببت به تلك العصابات خلال المرحلة المقبلة. الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء قوات خاصة يحيي رسول، يستذكر تحرير الموصل من دنس  «داعش» الارهابية في حديث خاص لـ»الصباح»، بقوله: «آنذاك؛ كانت الموصل تعد عاصمة (دولة الخرافة) المزعومة لداعش الارهابية، وكانت تمثل تحدياً كبيراً لقطعاتنا كونها مدينة كبيرة في جانبيها الايمن والايسر التي كانت تسيطر عليها داعش ويسكنها بحدود 3 ملايين نسمة، لذا كانت عملية اقتحام هذه المدينة تمثل تحديا كبيرا للقوات المسلحة، من ضمنها قطاعات الجيش، كونها منطقة واسعة وفيها احياء سكنية مكتظة بالسكان، خاصة في الجانب الايمن لمدينة الموصل القديمة».
ويشير اللواء رسول، إلى أن «الخطة عندما وضعت، كانت بدقة وبإحكام في قيادة العمليات المشتركة، وكان حينها الفريق القوات الخاصة عبد الامير يارالله نائبا لقائد العمليات المشتركة وقائد عمليات (قادمون يا نينوى)»، لافتاً إلى أن «الخطة كانت تقتضي أن نقتحم الجانب الايسر من الموصل، لان هذا الجانب قريب من اقليم كردستان باتجاه محافظة اربيل، لذا لو كان الاقتحام من الجانب الايمن لاستطاع عناصر داعش الهروب باتجاه الاقليم، وكان من الممكن أن تحدث مشكلات في كردستان».
ويبين: «كانت هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها القطاعات العسكرية العراقية الى اقليم كردستان، ثم شرعت القطعات المشتركة في تحرير الجانب الايسر، ومنها قطعات الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب والرد السريع وافواج الطوارئ وقوات البيشمركة، وقد كان الساحل الايسر اقل صعوبة في القتال من الساحل الايمن، كونه منطقة سكنية مفتوحة، وكانت من السهولة حركة القطعات الآلية والمشاة وتمكنها من تحرير الجانب الايسر من مدينة الموصل».
وبعد تحرير الجانب الأيسر، شرعت قواتنا المسلحة بالتحرك لتحرير الجانب الأيمن من عدة اتجاهات ومن جميع المحاور، وايضا اشترك في هذه العملية مع كل القطعات -التي تم ذكرها آنفا- الحشد الشعبي الذي كان يشغل دورا مهما في قطع إمدادات العدو ومواصلاته من المناطق الغربية او باتجاه الصحراء، ويقول اللواء رسول: «لذا كانت المعركة شرسة من الجانب الايمن، واستخدم العدو فيها جميع امكانياته، وكان آخرها استخدام المواطنين كدروع بشرية، لذا عملنا منذ الساعات الاولى على اخراج المواطنين الموجودين من خلال ممرات آمنة واستقبالهم ونقلهم الى معسكرات لايوائهم»، ويضيف: «من الصعوبات التي واجهتنا حينذاك، هي كيفية التمييز بين المواطن البريء وبين عصابات داعش الارهابية، وهذه تعتبر عملية صعبة جدا استطعنا اتقانها».
ويؤكد، أن «القطعات التي اشتركت اكتسبت خبرة من خلال المعارك السابقة، كونها معركة قتال مناطقي وحرب شوارع، وفي العرف العسكري تعتبر قتالات خاصة تتميز بها صنوف معينة منها صنف القوات الخاصة، لأن عملها القتال ضمن مناطق ضيقة وفي بنايات وشوارع».
واستطاعت قواتنا أن تدحر دفاعات العدو الذي كان يراهن على عدم قدرة قطعاتنا العسكرية من الدخول الى الموصل القديمة، وبعد ذلك تمت محاصرة ما تبقى من الارهابيين في مناطق الموصل القديمة، وكان هناك قتال شرس تكلل بالنجاح وتحرير مدينة الموصل، ويقول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة: «إننا اليوم نستذكر في هذا التاريخ يوم النصر الذي استطعنا خلال ثلاث سنوات وشهرين أن نحرر جميع الاراضي العراقية من دنس داعش الارهابية وكسر شوكتها»، مبينا أن من المعارك الصعبة والشرسة التي خاضتها قواتنا، هي معارك الانبار، وبيجي.
أما المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء الطيار تحسين الخفاجي، فقال في حديث لـ»الصباح»: «تمر علينا الذكرى الثالثة لتحرير الموصل، يوم أعلن بيان النصر ودحر داعش وطردها بسواعد العراقيين وبدماء الشهداء والجرحى الاحياء، ونذكر العالم أن العراقيين سجلوا انتصارهم على الارهاب بدماء الشهداء».
وأضاف، «إننا اليوم نستذكر دماء الشهداء وذكرى تجديد العهد بأن القوات الامنية وبمختلف مسمياتها وقوات الجيش ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي وابطال القوة الجوية وطيران الجيش الذين استطاعوا ان يسطروا اروع ملاحم البطولة والفداء والجهد الهندسي والعسكري الذي كان مفخرة للقوات الامنية العراقية وكل الاجهزة الامنية بما فيها المخابرات، بالتأكيد أن يوم النصر العظيم الذي دحر فيه الارهاب سيبقى خالداً». 
ولفت اللواء الخفاجي، إلى «أننا يجب أن نستذكر فتوى (الجهاد الكفائي) في ذلك اليوم عندما انطلقت جحافل الصمود والنصر لدحر الارهاب، وكانت هناك روح وطنية جامعة لكل العراقيين، ونستذكر كذلك قوات البيشمركة التي شاركت معنا في هذا اليوم العظيم».
 
ساسة وبرلمانيون
في حين، قدم عضو مجلس النواب هشام السهيل، شكره بهذه المناسبة الى الدول التي ساعدت العراق في التخلص من اجرام وارهاب «داعش».
وقال السهيل لـ»الصباح»: ان «انتصار العراق على عصابات داعش جاء بهمة ابنائه وفتوى المرجعية،» مقدماً «شكره للدول التي ساعدت العراق في حربه ضدهم».
وأضاف، أن «علينا أن نأخذ الدروس من الماضي، لكي نوحد صفوفنا ونتخلص من النفس الطائفي، ونعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة خلال المرحلة المقبلة».
وعد عضو مجلس النواب الدكتور رياض المسعودي يوم السادس من حزيران انتكاسة حقيقية للعراق بسبب سيطرة العصابات الاجرامية الممولة دوليا واقليميا على ثلاث محافظات واجزاء من محافظات كركوك وديالى وبابل وبغداد، ما شكل صدمة للعملية السياسية في حينها.
وأضاف المسعودي لـ»الصباح» أن «جميع الاطراف تناخت وسعت بشكل واضح، خصوصاً بعد فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها السيد علي السيستاني (دام ظله)، بضرورة لم الشمل والصفوف والعمل وفق مبدأ التكامل في مواجهة العناصر الاجرامية».
وأكد أن «هذه النكسة سابقة وحدث خطير؛ ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي والسياسي والبنية الاجتماعية في العراق، وستبقى مؤشراتها ومؤثراتها لسنوات طوال، أبرزها الجرائم التي ارتكبت بحق ابناء الشعب ومنها مجزرة سبايكر والابادة الجماعية بحق الايزيديين والمقابر الجماعية في محافظة نينوى، وتدمير البنى التحتية والنزوح، فضلاً عن انها كانت نافذة لعودة القوات الاجنبية عبر التحالف الدولي».
وتابع المسعودي، أن «هذه المحنة أثبتت حب أبناء الشعب العراقي لبلدهم من خلال وقوفهم صفا واحدا للدفاع عنه وانخراطهم في قوات الجيش والشرطة ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي وسرايا السلام والحشد العشائري»، مؤكداً أن «الجميع الآن يسعى لبناء عملية سياسية قوية واضحة المعالم، لا يمكنها تكرار النكسات في البلد والتي يمكن أن تدمره وتمزق وحدته».
 
ملف النازحين
واستذكر عضو مجلس النواب صائب خدر، بهذه المناسبة تضحيات كل القوات العراقية التي شاركت في هذه الحرب وحققت النصر وضربت مثالاً للوحدة الوطنية في مواجهة «داعش».
وتمنى خدر في تصريح لـ»الصباح»، أن «نستذكر في هذا اليوم تضحيات شعبنا وضحايا داعش وجرائمها البشعة بحق مكونات العراق كافة، وأن تكون هذه المناسبة فرصة لتعزيز تماسكنا ودعم قواتنا ونبذ السلوك المتعصب وتعزيز التعايش بين المكونات في نفوس العراقيين من اجل اعلاء قيم الوطن والمواطنة بعدما حاولت داعش تمزيقها».
وأشاد عضو مجلس النواب شيروان دوبرداني بـ»إصرار العراقيين على البدء بمرحلة البناء والاعمار، وإعادة البنى التحتية والحياة الى المدن التي دمرتها داعش الاجرامية بعد انتهاء معارك التحرير مباشرة».
وأكد دوبرداني لـ»الصباح»، «قرب غلق ملف النزوح بعد أن أدى احتلال تلك المحافظات الى نزوح 2.5 مليون عراقي الى محافظات الوسط والجنوب واقليم كردستان»، متمنياً على الحكومة «تهيئة الاجواء لعودة النازحين الموجودين في مخيمات اقليم كردستان».
وحذر عضو مجلس النواب مازن الفيلي، من الخلايا الارهابية النائمة التي ما زالت موجودة في بعض المحافظات من أن تنشط خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف الفيلي لـ»الصباح» أن «على الجميع أن يتعاون من خلال توفير المعلومة الاستخبارية والابلاغ عن أي تحرك مريب ومعالجته بأسرع وقت ممكن»، ونبه على «ضرورة أن يكون هناك تحرك جدي لإنهاء ملف النازحين خلال هذا العام، وإعادة الجميع الى مناطقهم الاصلية بعد توفير الخدمات فيها».
أما عضو مجلس النواب أمجد هاشم العقابي، فقد أكد أن «تضافر جهود جميع صنوف قواتنا الامنية والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية والبيشمركة أدى الى تحقيق الانتصار الباهر على زمر الارهاب».
وأضاف العقابي لـ»الصباح»، أن «جهود الحكومة ومجلس النواب يجب أن تتضافر من أجل إعادة إعمار المناطق التي هدمت واعادة الخدمات الرئيسة اليها، لتهيئة عودة النازحين اليها».
 
حقوق إنسان
وبين عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان الدكتور فاضل الغراوي، أن «المفوضية ومنذ اليوم الاول لدخول عصابات داعش الى المحافظات كان لها دور كبير في إجراء التوثيق عن هذه الجرائم وتضمينها في تقارير وتقديمها على المستوى الدولي والوطني».
وأكد في حديث لـ»الصباح»، «حرص المفوضية على تقديم مشاريع القوانين التي من الممكن أن تساعد في جبر الضرر بالنسبة للضحايا، والتعامل مع الملفات التي حصلت بالنسبة الى تداعيات دخول المجرمين وخصوصا ملف النازحين وكيفية اعادتهم وتقديم (المبادرة الوطنية للعودة الطوعية)، فضلاً عن ما يتعلق بموضوعة البيانات والتقارير التي اصدرتها عن موضوع انتهاكات المفوضية».
وتابع ان «المفوضية وثقت موضوع الناجيات الايزيديات، وكان هناك تقرير توثيقي خاص عن هذا الموضوع، وتدويل هذه الجرائم وعرض ما قامت به تلك العصابات على شكل تقارير وافلام ومؤتمرات»، مشيراً الى أن «المفوضية قامت بدورها المرسوم لها في قانونها وهي عملية الرصد والتوثيق لهذه الجرائم ومتابعة تدويل كل الافادات بالنسبة للناجين والناجيات في هذا المحور».
ونبه الغراوي،  على أن «المفوضية لن تتوقف الا من خلال تقديم جميع المجرمين الى العدالة ومحاكمتهم، وانصاف الضحايا من ابناء الشعب على كل المستويات وكفالة حقوقهم التي وردت في الدستور وتقديمها لهم من قبل الدولة والمؤسسات الحكومية باعتبارهم من ضحايا العصابات الاجرامية».
من جانبه، بين رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور احسان الشمري، أن «ما تحقق من انتصار على داعش، أثبت قوة المؤسسة الامنية، ونهاية التخندقات الطائفية وصعود الهوية الوطنية بشكل كبير جدا على حساب الهويات الفرعية الثانوية».
وقال الشمري لـ»الصباح»: إن «العراق اصبح محط ثقة، الا انه لم يتم استثمار لحظة النصر بعد مرور ثلاث سنوات منه، فلم تحاول الحكومة السابقة استثمار النصر بما يعزز الاستقرار والاصلاح السياسي، ولم يكن لها نهج ومؤسسات دولة بالشكل الذي يتوافق مع المرحلة، مما ولد خللاً كبيراً جدا دفع بالنهاية الى خروج تظاهرات عارمة في غالبية محافظات العراق».
وأضاف الشمري، أن «النكسة الحكومية، كانت واحدة من محفزات انتفاضة تشرين، وعدم استدامة حالة النصر على كل المستويات وفشل الطبقة السياسية بالتعاطي مع الروح الوطنية التي حققتها لحظات الانتصار، ما ادى الى انهيار الدولة وهذا لا يعود الى الشعب فحسب وانما الى الحكومة»، محملاً أغلب الكتل السياسية والاحزاب «ما وصل اليه حال الدولة آنذاك، والتي نحاول في الوقت الحالي ايقافه بأي طريقة من الانهيار التام».