هل يمكن التفكير بتعزيز الثقة في المنطقة؟

الرياضة 2020/12/24
...

محمد صالح صدقيان 
 

لا يختلف اثنان على أنَّ منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة لا يحسد عليها. أزمات متتالية؛ توتر يعقبه توتر؛ ضياع في الثروات؛ خسارة في الارواح؛ اقتتال هنا ومخططات هناك؛ نوايا للتقسيم ورغبات للانفصال؛ هجرة منظمة لسكان العديد من البلدان؛ والكل، شرقها وغربها، يتربص 
بها الدوائر.
يعجز المرء عن أرشفة هذه الازمات؛ حرب عبثية دامت ثماني سنوات بين العراق وايران 1980 – 1988؛ حرب احتلال الكويت 1990؛ حرب احتلال العراق 2003؛ حرب شنها الكيان “الاسرائيلي” في تموز 2006 على لبنان؛ حرب غزة مع الكيان الاسرائيلي في الاعوام 2008؛ 2012 و2014؛ الحرب في سوريا 2010؛ حرب داعش 2014؛ حرب اليمن 2014؛ فقرٌ بدأ ينهش عظام الادميين الذين يعيشون في بلدان غنية بطاقاتها وثرواتها الطبيعية والانسانية من جراء الحروب والحظر والخوف 
وانعدام الثقة. واقع مؤلم ربما لم يشعر به احد مثلما يعيشه اهله.. 
لكن السؤال ما العمل؟ 
امام دول هذه المنطقة مساران لا ثالث لهما؛ اما الاستمرار في ما نحن عليه الان؛ وهذا يعني المزيد من القتل وهدر الثروات والمزيد من التوتر والتأزيم لزمان لا يعرف مداه الا الله والراسخون في العلم؛ واما الاقتناع ان مسار الحوار والتنسيق والتعاون هو افضل المسارات وهو الذي يستطيع ان يلملم الجراح ويدفع بعجلة التنمية المستدامة الى الامام اذا ما نجح بوضع حد للتوتر والتأزيم من خلال طاولة الحوار.
لا اعتقد اننا سنختلف على هذين المسارين او نطلب وقتا للتفكير فيهما لنفضّل الواحد على الاخر. لكن ربما نختلف على جدوى مثل هذا التفكير ما دام الاخر لا يلتزم بالاتفاقات ولا يراعي حقوق الجيرة ولا يتصرف بمسؤولية حيال الامن والاستقرار 
في المنطقة.
اثنان سيكتبان في هذا السياق؛ الاول الذي يريد ان يعتاش على ما يكتب؛ والاخر يريد ان يعيش في ما يكتب. نحن نعيش في منطقة جغرافية لا يمكن تغييرها؛ ربما تتغير الحدود او الانظمة او الاطر السياسية والمذهبية لكن شعوب هذه المنطقة باقية ما بقي الدهر؛ وبالتالي يخطئ من يعتقد ان المتطرفين في هذه الدولة او تلك يريدون تحقيق الامن والاستقرار في هذه المنطقة.
ان شعوب ونخب وانظمة هذه المنطقة معنية بدراسة سبل تعزيز التعايش السلمي لان هذه الشعوب كانت منذ الاف السنين وما زالت وستبقى؛ ولا يمكن تحقيق هذا التعايش الا من خلال التعاون والتنسيق المستدام بين دول وشعوب هذه المنطقة.
هناك مبادرات طُرحت من قبل بعض دول المنطقة من أجل تعزيز الامن والاستقرار؛ كما ان بعض الدول الاجنبية الصديقة طرحت ايضا مشاريع 
من هذا النوع.
التفكير بهذا المستوى من المشاريع وطرح مبادرات ومشاريع، هي حالة صحية على عكس ما يطرح من افكار ومشاريع للحرب والتازيم والتوتر.
تقديري ان المشكلة الحالية في المنطقة تدور باتجاهين؛ ايران وجيرانها. لا اريد ان اشير الى المبادرات المطروحة التي هي جديرة بالمتابعة والمناقشة بعيدا عن الجهة التي تطرحها؛ الا ان اتفاق الدول المتشاطئة للمياه الخليجية يمكن ان يخدم الامن في هذه المنطقة ويحقق مصالح 
هذه الدول. 
نحن نتحدث الان عن تسع دول هي دول مجلس التعاون الخليجي الست وهي السعودية والكويت والبحرين وقطر والامارات وعمان ومعها اليمن اضافة الى ايران والعراق. ويمكن الحديث عن مجموعة 8+1 وهي الدول العربية اضافة الى ايران؛ او 6+3 وهي دول مجلس التعاون باضافة اليمن وايران والعراق؛ او 7+2 وهي دول مجلس التعاون مع اليمن باضافة ايران والعراق. 
وبطبيعة الحال هناك الكثير من المشكلات والمحددات بين هذه الدول لكن القواسم المشتركة التي تربطها هي اكثر بكثير من المحددات التي تقف دون وصولها لقواسم العمل والتعايش المشترك. نحن نستطيع ان نبحث في المشتركات واساليب تعزيز الثقة بما يخدم المصالح الحيوية لكل دول المنطقة وتحديدا للدول 
التسع آنفة الذكر.
هناك عديد الافكار التي تستطيع ان تكون مدخلا لتعزيز الامن والتعاون والتنسيق بين هذه الدول من خلال عقد اتفاقيات او معاهدات من شانها تبديد الشكوك وتعزيز الثقة من خلال عقد معاهدة او اتفاقية عدم التدخل في الشؤون الداخلية السياسية والامنية؛ وعدم الاعتداء والاستثمار المشترك وما يتبعه من تأسيس خطوط جوية وبحرية مشتركة وتنشيط التعاون العلمي والفني والاكاديمي مع وضع ضوابط دولية وآليات من اجل 
حل النزاعات. ربما يشعر البعض ان مثل هذه الاهداف بعيدة المنال لاختلاف طبيعة الانظمة السياسية في هذه الدول؛ لكن يجب ان نكون واقعيين؛ هذه هي المنطقة؛ وهذه هي طبيعتها؛ وهذه هي تضاريسها. سوف نعيش الحاضر والمستقبل اذا احسنا التعاطي مع هذه الواقعية التي نعيش معها وتعيش في واقعنا.