« الصباح } تنفرد بنشر تفاصيل تفكيك ومعالجة السفينة الملغمة في ميناء البصرة..ملحمة {اللغم البحري}.. القصة الكاملة

العراق 2021/01/11
...

 بغداد: هدى العزاوي 
 
قبل ساعات من إسدال العام الماضي 2020 ستاره وإيذانه بالرحيل؛ ضجت البلاد بخبر السفينة الملغمة قرب ميناء البصرة والتي كادت تودي إلى كارثة كبرى، وتنفرد الصباح بنشر ، قصة؛ تفكيك اللغم البحري الملتصق بالسفينة (POLA) المتخصصة بتحميل النفط، وتسليط الضوء على الجهود الجبارة التي بذلها الفريق الفني المختص وتفكيكه وتفجيره للغم البحري.
 

روى مدير مركز تدريب مكافحة المتفجرات، العميد رياض شـوع هويـدي، تفاصيل الحادث وكيفية إتلاف اللغم البحري في محافظة البصرة بقوله: بتاريخ 1/1/ 2021، ورد اتصال من قبل معاون مدير قسم متفجرات البصرة العقيد علي نعمة، بوجود تهديد التصاق جسم غريب باحدى السفن التجارية، وبعد التأكد من أن الجسم الغريب هو (لغم بحري)،  حيث تمت صناعة مثل هذا النوع من الألغام من قبل عدة دول، وبعد استحصال الموافقات الرسمية من المراجع الامنية، أخذنا الأذن بالحركة الى البصرة عن طريق الجو مع خبراء المتفجرات الغواصين (العميد أحمد جهاد قاسم والعميد رياض حاتم عباس)”. 
واضاف، “تم اللقاء مع قائد عمليات البصرة اللواء الركن أكرم صدام، وجرى خلال الاجتماع تقديم إيجاز عن موقع الحادث ومدى أهميته والموقف الاقتصادي والسياسي الذي يترتب عليه، بعدها تمت حركتنا الى ميناء الفاو والتقينا رئيس أركان قيادة القوة البحرية، ومدير استخبارات قيادة القوة البحرية، وبعد المداولة وشرح الموقف بشكل مفصل تقرر ذهابنا الى البحر بالقرب من الحادث وتواجد فريق العمل في سفينة (شط العرب) التي تبعد عن المكان ما يقارب (أربعة اميال بحرية)، ووصل فريق عملنا إلى السفينة المذكورة والتقينا العميد خالد ساهي وفريق عمله الذين كانوا بمحل الحادث وتم شرح الموقف بشكل مفصل».
 
تفاصيل وأرقام
وبشأن تفاصيل الحادث، قال العميد هويدي: إنه “في منطقة التحميل الجانبي (STS) صباح يوم 31 كانون الأول 2020، تم الاتصال بمركز عمليات ميناء البصرة النفطي من قبل السفينة (NORDIC FREEDOM) التي تحمل علم باهاما والراسية على الناقلة (POLA) المؤجرة من شركة (سومو) التي تقوم بعملية التحميل الجانبي (STS) والمثبت عليها اللغم البحري».
طلب كابتن السفينة (NORDIC FREEDOM) الذي يحمل الجنسية الروسية، المساعدة بسبب مشاهدة جسم غريب ملتصق على بدن السفينة (POLA) بالربع الأول من مقدمة السفينة الجانب الأيمن بعدها توجه زورق دورية مكلف بواجب الدفاع المحيطي عن المنصات النفطية العائمة الى موقع السفينة، حيث كشف فريق التفتيش الأولي عن ذلك الجسم، وأبلغوا بوجود عبوة لاصقة تعمل بالصاعق (حسب ادعائهم).
يبلغ طول السفينة ناقلة النفط (POLA) التي (أُلصق أو التصق) بها اللغم البحري، (274) مترا، وهي ترفع علم ليبيريا وحمولتها (150 الف طن) من النفط الخام، وهي متواجدة بمنطقة التحميل منذ تاريخ 8 تشرين الثاني 2020 أي قبل اكتشاف اللغم بأكثر من 50 يوماً، وهي تعمل لصالح شركة التسويق النفطي العراقي (سومو)، أما مواصفات السفينة (NORDIC FREEDOM) الراسية على الناقلة (POLA) وحمولتها (150) ألف طن فهي مخصصة لنقل النفط الخام. 
أما مواصفات اللغم البحري الملتصق بالسفينة، فهو مخروطي ويصل وزنه الى 180 كغم تقريبا، يحمل مواد متفجرة من نوع (TNT) تزن 10 الى 30 كغم تقريبا، وآلية التفجير عبر التوقيت الميكانيكي يبدأ من 1 الى 9999 دقيقة (ما يقارب سبعة أيام)، وبدن اللغم مصنع من مادة الالمنيوم الثقيل، مزود بمغناطيس في قاعدته لغرض الالتصاق بالسفن.
 
مراحل تنفيذ المهمة
وتابع العميد هويدي: أن “هناك صعوبات كبيرة واجهت فريق عمل خبراء المتفجرات الغواصين، كونهم يمتلكون مهارات الغوص بالإضافة الى معالجة العبوات الناسفة تحت الماء وعلى سطح الأرض، ولكن ليست لديهم أي معلومات عن معالجة الألغام البحرية، ولعدم وجود فريق معالجة الألغام البحرية في العراق، ولكون التهديد يمس اقتصاد وأمن وسلامة البلد؛ قرر فريق العمل أن يتصدى لهذه المهمة حيث قام بجمع المعلومات عن مواصفات اللغم البحري وأنسب الطرق لمعالجته وكان ذلك عن طريق الاتصال بمتخصصين داخل وخارج العراق».
وتكونت خطة العمل من ثلاث مراحل، الاولى فصل السفينتين (NORDIC FREEDOM) و(POLA) عن بعضهما وسحب اللغم البحري لتحييده بعيداً عن السفينة، ثم ترك اللغم لمدة عشرة أيام في منطقة آمنة للتأكد من انتهاء التوقيت الميكانيكي (9999 دقيقة)، والمرحلة الثالثة إتلاف اللغم بعد انتهاء التوقيت الميكانيكي، ويوضح العميد هويدي، أنه “في عصر يوم 2 /1 /2021 تم سحب اللغم البحري وتحييده من السفينة (POLA)على بعد واحد ميل بحري، ثم تحريك اللغم إلى مسافة 8 اميال بحرية عن الخط الملاحي للسفن ليستقر هناك بعيداً عنها».
 
طارئ يدعو للاستعجال
كانت نية الفريق المتخصص، ترك اللغم لمدة 10 أيام قبل تفجيره، وهي المدة المفترضة لانتهاء التوقيت الميكانيكي، إلا أن طارئاً حدث ودفع الفريق إلى استعجال خطوة تفجير اللغم، إذ وردت معلومات تفيد بأن الصيادين وبعض السفن الصغيرة يتنقلون بشكل حر في البحر وهناك احتمال اصطدامهم باللغم البحري، فقرر الفريق المسارعة بتفجير اللغم، رغم المخاطر العالية المرافقة لذلك، حيث جرى في قاعدة أم قصر البحرية تجهيز المعدات الخاصة بتدمير اللغم.
وضع فريق المعالجة بقيادة العميد أحمد جهاد قاسم وبالتعاون مع (العميد رياض شوع هويدي والعميد رياض حاتم عباس) خطة عمل لتفجير اللغم تقضي بتمركز زوارق في عدة أطواق، وبدأت الزوارق المشاركة في العملية صبيحة يوم 4 كانون الثاني 2021، بإنزال فريق الغواصين المعالجين للقيام بعملية ربط شحنة الاتلاف  باللغم، جرى تثبيت حشوة الإتلاف على اللغم وخروج فريق الغواصين المعالجين من البحر والصعود على الزورق، ثم ربطت القداحات والمواد المتفجرة بسلك التفجير ليتم تفجير اللغم البحري واتلافه بشكل تام وجرى التأكد من قبل الغواصين المعالجين من عملية الاتلاف النهائي ، ليعود فريق العمل والفرق المساندة إلى قاعدة أم قصر البحرية بسلام وأمان وإنجاز المهمة  من دون أي حادث يذكر.
 
حرفية عالية
رغم أن فريق العمل والمعالجة من مركز تدريب مكافحة المتفجرات، الذي يرأسه العميد رياض شـوع هويـدي غير متخصص برفع ومعالجة الألغام البحرية؛ لأن واجبه معالجة العبوات الناسفة على سطح الأرض وتحت الماء والذي تم تدريبهم عليه في فرنسا، إلا أن الفريق نفذ المهمة بحرفية عالية مدفوعاً بحس وطني نبيل، ويقول العميد هويدي: إن “عدم امتلاك وزارة الدفاع كتيبة هندسة بحرية، ولأن الهندسة العسكرية البحرية التابعة لقيادة القوة البحرية لا خبرة لها في التعامل مع الألغام البحرية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والبيئية والأمنية والسياسية الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن انفجار اللغم البحري، لا قدر الله، كل ذلك دفعنا الى التضحية ومعالجة 
اللغم البحري». 
وأشار العميد هويدي إلى نقطة مهمة وغاية في الخطورة يوجهها للمراجع الأمنية والعسكرية المختصة، وهي “عدم وجود شركة تابعة لوزارة النفط مختصة برفع ومعالجة الألغام البحرية، وكذلك عدم وجود مديرية أو كتيبة هندسة عسكرية مختصة بإزالة الألغام البحرية ومعالجتها تكون تابعة لوزارة الدفاع، ومثل هذه الكتيبة كانت موجودة سابقاً في الجيش العراقي”، منبهاً على أن “هذه الحادثة ينبغي أن تدفع الجهات المختصة إلى التفكير بجدية وبسرعة لإنشاء مثل هذه الكتيبة».
لقد أنجز الفريق عمله ضمن السقف الزمني للعد التنازلي لانفجار اللغم البحري، بمعنى أنه كان يمكن أن ينفجر في أي لحظة، إلا أن الفريق آثر القيام بهذه العملية الكبيرة والتخلص من اللغم رغم المخاطر، واضاف العميد هويدي: إن “الإجراءات الصحيحة لمعالجة هكذا لغم، هو أن يجري سحبه والانتظار 10 أيام لانتهاء السقف الزمني للعمر التوقيتي الميكانيكي للغم قبل تدميره، وجميع الشركات المختصة لا تتقدم للمعالجة إلا بعد انتهاء العد التنازلي».