العرافة السياسيَّة!

الصفحة الاخيرة 2021/01/11
...

جواد علي كسار
لم استغرب وأنا أقرأ استشارة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، للعرّافة اليزابيث تيسييه قبل اتخاذه قرارات سياسية مهمّة، وأنها كما تحدّثت إلى قناة الجزيرة، كان لها الدور المؤثّر في تكوين رؤيته لوزرائه، ومدى قربهم وبُعدهم منه، بحسب قراءتها لأبراجهم، فميتران كان يستقبل عرّافته ويُخصص لها وقتاً يصل إلى ساعة ونصف أسبوعياً، وانه بقي على صلة مع العرّافة حتى بعد 
رئاسته!
كما لم استغرب التقارير الكثيرة التي تحدّثت، عن علاقة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بالسحرة والمنجّمين، وان بدء حرب «عاصفة الصحراء» المدمّرة ضدّ العراق، حدّدها هؤلاء المنجّمون، كما صرّحت بذلك كريستين داجواي نائبة رئيس الاتحاد العالمي
للروحانيين!
ويُعدّ الرئيس الأميركي الجمهوري الأسبق رونالد ريغان، الأشهر في اعتماد المنجّمين وتصديقه لهم، حتى أنه اختار منهم ثلاثة ضمّهم إلى فريق مستشاريه الرسميين، والقائمة تمتدّ إلى الكثير من السياسيين في الشرق والغرب، فقد كان من بين من يصغي إلى العرّافين والمنجّمين، هتلر في ألمانيا، وستالين في الاتحاد السوفييتي، وكارلوس منعم في الأرجنتين، وسوهارتو في أندونيسيا، ويلستين في روسيا، وقد قرأتُ في متابعة عن الموضوع، أن الفرنسيين وحدهم يُنفقون مليارات من اليوروات سنوياً على التنجيم، وأن هناك نحو (30) ألف محترف يُمارس عمله في هذه المهنة رسمياً، تحت ظلّ القانون ومن خلال عيادات متخصّصة
 للمنجّمين.
لقد كتبت صحيفة «الإكسبرس» البريطانية مرّة، أن عدداً كبيراً من قادة العالم لا يزالون يستشيرون المنجّمين ويصغون إليهم، قبل اتخاذ أي قرار مهم. 
وبهذا الوصف، فإن التنجيم هو جزء من الثقافة الاجتماعية للبشر في الماضي والحاضر، وفي العصور القديمة
والحاضرة.
وتفسير الظاهرة عندي، أنها تكشف جزءاً من نزوع فطري وجودي للإنسان، صوب الغيب والماوراء واستشراف العالم الآخر، وإذا لم يُشبع هذا النزوع من أسلم القنوات المتاحة، وهي الدين ومن خلال الرسل الكرام، فسيعوض عن نفسه بالممارسات المغلوطة.
التنجيم جزء من ثقافة السلطة، حتى قال بعضهم: المنجمون هم أدمغة أو عقول السياسيين. بهذه الصفة، ستبقى ظاهرة العرافة ملازمة للإنسان مهما كانت ثقافته، ومهما بلغ من تقدّم مدني، ورقيّ عقلي وحضاري!.