الموسيقى والإنشاد الصوفي.. حين يقودنا اللحن إلى تجليات الروح

الصفحة الاخيرة 2021/01/11
...

بغداد : نورا خالد 
 
 
يقول الشاعر الصوفي حافظ الشيرازي ان "الأغانيَ والايقاعات الصوفية ورقصاتِ التواجد ما هي إلا تصرفات رمزية ومشاعر لايقاعات الخلود المنتظمة مع جذوة المحبة المشتعلة على الدوام في قلوب العارفين". فالموسيقى الصوفية والانشاد الصوفي هما الاكثر تعبيراً عن الطاقات والمكنونات الصوتية للمؤدي بتعبير صادق، ولكن هل توجد موسيقى صوفية في العراق ومن هم جمهورها؟ 
توجهنا بهذا السؤال لعدد من المختصين، اولهم الموسيقار سليم سالم الذي اكد خلال حديثه لـ"الصباح" ان "الموسيقى الصوفية في العراق نطاقها ضيق جدا، كما ان الموسيقى الصوفية الخالصة من دون غناء تقتصر على ارتجالات للآلات الموسيقية المنفردة التقليدية كالعود والقانون والناي، وغالبا ما يكون دورها هو التهيئة للغناء الصوفي". واضاف سالم "ظهرت مؤخرا محاولات متواضعة في التأليف الموسيقي الصوفي، ولكنها نادرة وقليلة والسبب في ذلك يعود لكون ثقافتنا الموسيقية في مجتمعاتنا العراقية والعربية متمثلة بالثقافة الغنائية، اذ يطغى الطابع الغنائي على الموسيقي وهنا الموسيقى وظيفتها المرافقة وملء الفراغات اثناء الاداء الانشادي، وإن استيعاب واستقبال الجمهور للموسيقى الخالصة ليس بالسهل.  
كان للموسيقى الصوفية حضور كبير في الساحة الثقافية من خلال كتاب ''قواعد العشق الأربعون'' للشاعر جلال الدين الرومي، اذ لاقى رواجا واسعا من قبل القراء، وعن نشأتها يشير الدكتور أنمار علي العمار المعاون الفني لمعهد الفنون الجميلة والمختص بالموسيقى الصوفية الى ان"نشأة الموسيقى والانشاد الصوفي في العراق تعود الى العهد العثماني، اذ ارتبط انتشارهما بانتشار وتعدد الطرائق الصوفية، ومن ابرز المدن التي احتضنت تلك الموسيقى، هي الموصل وبغداد ومن ابرز روادها الشاعر والموسيقار المتصوف الملا عثمان الموصلي، الا ان جذورها تعود الى العصر العباسي، وكانت تعرف آنذاك بفن الدوبيت والمواليا".  
ويوضح العمار أن " جمهورها هم من مريدي التكايا والزوايا التي كانت ولا تزال منتشرة في عدة مدن عراقية فالموسيقى الصوفية في العراق لاتزال نخبوية وجمهور حفلاتها محدود ".
ومن الفرق التي تخصصت بالموسيقى والغناء الصوفي حسب العمار،  فرقة "حلمُ " وكانت في بدايتها تستخدم الدفوف بشكل رئيس تأثراً بأجواء الذكر في الطريقة القادرية التي تعتبر ابرز الطرائق الصوفية في العراق والعالم، الا ان الفرقة بدأت بدراسة عدة تجارب موسيقية من خلال الخلط بين موسيقى المقامات العراقية وادخال الآلات الموسيقية الغربية كآلة الغيتار لعمل تمازج ومحاكاة جميلة بين الموسيقى الشرقية والغربية بغية الخروج بأسلوب معاصر للموسيقى الصوفية في العراق. 
اما قارئ المقام والباحث طه غريب فاكد ان " الموسيقى والانشاد الصوفي في العراق يتخذان نمطا اخر يختلف عما يقدم في البلدان الإسلامية الاخرى فالموسيقى الصوفية في العراق هي استعراض سمعي يستغني عن مصاحبة الآلات الموسيقية ويستعين بدلا عنها بالصوت البشري، اضافة الى بعض الآلات الايقاعية مثل الدفوف والنقارة". 
 واشار الى أن "الاداءات الدينية والصوفية في العراق حافلة بالالحان المتنوعة وقد رتب الاقدمون تلك الألحان تبعاً لتسلسل المقامات العراقية، وان لكل طريقة من الطرق الصوفية في العراق منهاجها من الألحان والمقامات وطريقتها في الاداء، فالطريقة القادرية مثلا لها طقسها الخاص بها الذي يختلف عن الطريقة النقشبندية وعن الطريقة المولوية التي تتخذ من الرقص الديني او الحركات التي ترافق الانشاد والالحان التي ينشد فيها الشعر الصوفي لكبار المتصوفة في بغداد والعالم الإسلامي".  
وأشهر من لحن الحانا صوفية في العراق هو الموسيقار الملا عثمان الموصلي الذي وضع الحانا مازالت الى يومنا هذا تنبض بالحيوية والجمال والتي وضع لها المطربون كلمات عاطفية واصبحت اغاني، انتشرت في البلاد العربية بشكل كبير منها "ازور قبر الحبيب مره" والتي اصبحت فيما بعد اغنية "زوروني بالسنه مره" و" فوگ العرش فوگ"، والتي اصبحت اغنية "فوگ النخل فوگ" وغيرها الكثير، ومن رجالات الصوفية الذين برعوا في صناعة الألحان سعدي الموصلي وملا صابر كركوكلي وغيرهم.