اقتصاديات النمور الآسيويَّة بين الازدهار والانكسار

اقتصادية 2021/01/13
...

 الصباح: نافع الناجي
 
ظهر مصطلح النمور الآسيوية قبل أربعة عقود، للإشارة للنمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته سنغافورة، ماليزيا، تايوان، هونج وكونج وكوريا الجنوبية، فمن أممٍ فقيرة مهمشة حققت هذه الدول منذ ستينيات القرن الماضي، قفزات صناعية واقتصادية مذهلة وصلت لتسجيل معدلات نمو وصلت إلى 10 بالمئة في العام.وتعيش النمور الآسيوية في أجواء عالمية مغايرة لنشأتها الكبرى خلال النصف الثاني من القرن الماضي، إذ وقعت فريسة للصراع التجاري بين قطبي الصين وأميركا بدرجات متفاوتة، فضلاً عن تأثرها بالأحداث العالمية المتزاحمة، والتوترات الجيوسياسية.
صمود الاقتصاد الكوري
أعاق تفشي فيروس كورونا في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، دوام سيناريو التعافي، لا سيما أن كوريا الجنوبية تعد مركزاً رئيساً في سلاسل الإمداد العالمية، لكن تظل الصين شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لها، مما أدى إلى خفض «سيتي جروب»، توقعاتها لإجمالي الناتج المحلي للعام 2020 إلى 2 بالمئة، رغم توقعات البنك المركزي في البلاد بنمو 2.3 بالمئة بسبب تخفيف حدة النزاع التجاري اﻷميركي الصيني.
ووفقا لكبيرة الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لورانس بون «يواجه العالم أخطر تباطؤ اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية»، ويؤكد بيان المنظمة، أن «النجاح الاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية سُجل في الوقت نفسه الذي نجحت فيه البلاد بالقضاء على الوباء، وهو ما يفسر جزئياً قدرة كوريا الجنوبية على الصمود من الناحية الاقتصادية، انطلاقا من إدارتها الفعالة للغاية للوباء».
ويعزي كريستوف أندريه، كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في كوريا الجنوبية، السبب الرئيس للنجاح الذي حققته البلاد، إلى قدرتها على احتواء الوباء بشكل أفضل بكثير من غيرها، لذلك لم تتعطل النشاطات والفعاليات الاقتصادية سوى بصفة محدودة للغاية.
 
نمو اقتصاد تايوان
خبراء الاقتصاد ومحللون في بنك «جي. بي مورجان» توقعوا تحسن ظروف الطلب الخارجي في تايوان، وكشف معهد «تشونغ هوا» للأبحاث الاقتصادية أن النشاط الاقتصادي انتعش في جزيرة تايوان التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، مع تلاشي المخاوف من تفشي فيروس كورونا، ورفع المعهد توقعاته الأساسية من 1.03 بالمئة إلى 1.33 بالمئة.
وكشف معهد الأبحاث، أن نمو الربع الثالث في الناتج المحلي الإجمالي الذي يقارب 600 مليار دولار ينبغي أن يصل إلى 1.64 بالمئة يليه 3.09 بالمئة في الربع الأخير، وتقول توقعات النمو إنها ستصل إلى نسبة 2.33 بالمئة العام المقبل.
من جهتها قالت «أليشيا جارسيا هيريرو» كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك الاستثمار الفرنسي (ناتيكسيس): «نتوقع أن تحقق تايوان أداءً أفضل لأن القيود المفروضة على التنقل أقل بكثير».
 
انكماش اقتصاد هونج كونج
غرق اقتصاد البلاد في ركود العام الماضي، بعد أشهر من الاضطرابات السياسية والحرب التجارية، أما الآن فقد تسبب تفشي الفيروس ودور الإقليم كبوابة اقتصادية إلى البر الرئيس، مما جعل اقتصادها اﻷكثر تعرضاً لكورونا في منطقة آسيا باستثناء اليابان، وفقاً لما قاله «سونال فارما»، كبير الاقتصاديين في بنك «نومورا».
وأسهم قرب هونج كونج، الجغرافي من الصين، واعتمادها على زوار البر الرئيس، في تعريض البلاد لخطر كبير من العدوى الفيروسية، إذ تمر نحو نصف صادراتها عبر الحدود، كما أن قطاع الخدمات النابض بالحياة الذي يشكل نحو 29 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، يجعلها عرضة لانخفاض الطلب لأن انتشار كورونا يقلل التجمعات العامة.
ويوضح «أدريان لوي» الاقتصادي في «سيتي جروب» أن البنك خفض توقعاته للنمو في البلاد عند انتشار الفيروس، ليتحول إلى انكماش سنوي نسبته 1.1 بالمئة بعد توقعات بتوسع سنوي قدره 0.7 بالمئة، ويرسم محللون آخرون صورة قاتمة في حال استمر وجود الفيروس لفترة زمنية أطول.
 
سنغافورة
اِنكمش الاقتصاد السنغافوري العام الماضي، إلى أدنى وتيرة منذ 2009 كما انكمش بحدة في الربع الأول، نظراً لانخفاض أعداد السياح، إذ يستحوذ السياح الصينيون على 18.9 بالمئة، والشعور السلبي بتأثر النشاط الاقتصادي المحلي الشامل.
الحكومة السنغافورية خفضت، توقعاتها للنمو الاقتصادي للعام الحالي إلى ما بين -0.5 بالمئة و1.5 بالمئة بعد أن كانت 0.5 % بالمئة و2.5 بالمئة، كما خصصت 5.6 مليارات دولار سنغافوري ( أي 4 مليارات دولار) من موازنتها لهذا العام لمساعدة الشركات والأسر، وستنفق 800 مليون دولار أخرى لمكافحة كورونا.
وأوجز د.بلقيس دنيازاد عياشي الموقف بقوله: كان الفيروس مدمرًا للعمال الأجانب في العديد من البلدان، كما أن الظروف المعيشية للعمالة المهاجرة جعلت هذه الفئة معرضة بشكل أكبر للإصابة بالفيروس ونقل العدوى، واحتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي طويل، قد تمر سنوات قبل أن يتمكن العمال الذين فقدوا وظائفهم من العثور على عمل مرة أخرى، وعليه فإن هذه التطورات ستكون لها تداعيات كبيرة.