شهر العسل!

الصفحة الاخيرة 2021/01/25
...

جواد علي كسار
 
لا أقصد من العنوان دِلالته العاطفية، بل كمصطلح من الحياة السياسية الأميركية، يُطلق عادة لوصف الأيام المئة الأولى من حياة الرئيس الأميركي الجديد في السلطة، ففي هذه المدّة التي تسمى أيضاً أيام العسل، يشع كل شيء بالايجابية، إذ يتّجه الإعلام والحزبان والناس، ويُعبّئ الجميع أنفسهم لامتداح الرئيس والثناء عليه، والإشادة بمؤهلاته وفريقه، تشجيعاً له في أن يبدأ عهده بخطوات راسخة.
إدارياً تحفل مدّة المئة يوم هذه بمهام كبيرة، يأتي في طليعتها توقيع الأوامر التنفيذية بصورة استعراضية وأمام وسائل الإعلام، كما تابعنا ذلك مع أوباما وترامب والآن من بايدن، والأوامر التنفيذية هي قرارات في قضايا مهمة يتخذها الرئيس، ويمارس من خلالها سلطته، مُباشرة من دون الرجوع إلى الكونغرس.
كما يكون من مهامه في هذه المدّة الحصول على موافقة الكونغرس لأعضاء حكومته، وهي السلطة الإتحادية للولايات المتحدة، وتتكون عادة من مجموعة محدودة من الوزراء، تتراوح بين ثمانية وزراء وثمانية عشر وزيراً، الاختبار الإداري الأخير للرئيس في هذه المدّة يتمثل بملء الوظائف الشاغرة في البيت الأبيض، فمع أن البيت الأبيض يشهد عمل أكثر من (10) آلاف موظّف، لكن أعراف انتقال السلطة من رئيس إلى آخر، تدفع الرئيس للتدخل مُباشرة لتعيين (2 ـ 4) آلاف موظف كبير، ضمن ما يُطلق عليه سلطة التعيين والإقالة، التي تعدّ من مختصّات الرئيس.
لكن من الوجهة النفسية لا يستمد الرئيس قوّته في هذه المدّة، من فوزه وتأييد الإعلام والأمة الأميركية له وحسب، بل من دعم سلفه أيضاً. 
على سبيل المثال كنت أقرأ في المذكرات الألفية للرئيس كلينتون المعنونة «حياتي» عندما ذكر أن أول من 
اتصل به مهنئاً بالفوز هو خصمه الرئيس بوش الأب، متعهداً بانتقال سلس للسلطة، وقد فعل، ثم ذكر بأنه حرص على وضعه بالأعمال المهمة التي ينوي القيام بها، منها أن بوش هاتفه قبل أن يتّجه إلى روسيا، ليوقع مع رئيسها يومذاك يلتسين اتفاقاً لتحديد الأسلحة، مع أن بوش كان لا يزال هو الرئيس!
هذه أعراف تراكمت من خلال الرؤساء السابقين، لاسيما الرموز الكبرى مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وأبراهام لينكولن، قبل أن تتحوّل إلى ما أسماه كلينتون نفسه «ثقافة واشنطن»، لكن يبدو أن ترامب لم ترق له أعراف هذه الثقافة، وهو الذي انبثق من خارجها، فكانت آخر مظاهر تحديها هي طريقته الخاصة بمغادرة البيت الأبيض، لينغص على خلفه بايدن، ويحوّل طعم أيام العسل إلى مرارة!.