بحيرة الرزازة.. بين عمق تاريخي وحاضر يشكو من شح المياه

ريبورتاج 2021/01/31
...

   علـــي لفتــة
قبل سنوات حين تذهب الى بحيرة الرزازة متجها الى الغرب من مدينة كربلاء، فإن صفحة كاملة من المياه كأنها ترحب بك وتستقبلك بما يلمع من المياه بوجهك، معلنة عن تلك الالتماعات الضوئية بحسب الشمس، ففي الصباح تكون مائلة الى الفضة، وعند المغيب تكون مائلة الى الون الذهبي، وكانت تمثل منتجعا كبيرا للأسر والباحثين عن الراحة والاستجمام بعيدا عن صخب المدن، ولم تكن البحيرة خاصة بأهالي كربلاء، بل كان يأتيها الكثير من الناس على شكل افواج ليست سياحية بالمعنى السياحي، لكنها كانت تأتي على شكل أسر او اصدقاء لقضاء الوقت والصيد والتمتع بالأجواء المناسبة خاصة في أوقات ارتفاع درجات الحرارة.

وقال الباحث في الموارد المائية المهندس حسن الشريفي "ان بحيرة الرزازة تمثل واحدة من ابرز الظواهر الطبيعية في البادية الشمالية من الهضبة الغربية للعراق، فهي جغرافيا يحدها من الشمال بحيرة الحبانية ومن الشرق الصحراء المجاورة للفرات، ومن الجنوب كربلاء، ومن الغرب الصحراء في قضاء عين التمر، وهي تتكون من جزأين في أصلها، الاول بحر الملح وهو الجزء الغربي وأوطأ منسوب له هو 17 مترا فوق مستوى سطح البحر، والثاني هو هور ابو دبس وأوطأ منسوب له هو 21  مترا فوق سطح البحر.
 
ثلاثة مصادر
وأضاف "ان الجزأين توحدا عام 1941 حين ارتفع منسوب المياه الى 22  مترا فوق سطح البحر، وقد تكونت في نهاية الزمن الثالث والزمن الرابع،  وقد اظهرت الدراسات ان البحيرة تمثل جزءا من وادٍ واسعٍ يضم الثرثار والرزازة وبحر النجف، وان عمليات الرفع والخفض عملت على تقطيع الوادي وكونت مجموعة من المنخفضات".
وأشار الشريفي "الى ان مصادر المياه التي تزود البحيرة تتمثل بثلاثة مصادر، الفرات عن طريق بحيرة الحبانية، ومبزل الرزازة، والمياه الجوفية المنبثقة من العيون المائية، فضلا عن مياه الأمطار، وأن طول البحيرة يصل الى حدود 70كم وعرضها في اوسع مناطقها من الشرق الى الغرب بحدود 45 كم، وإن المساحة الكلية للبحيرة عند منسوب 40 فوق مستوى سطح البحر هي 1810 كم 2 وبقدرة استيعابية 26 مليار متر مكعب أي ما يعادل 724 ألف دونم، منها 844 ألف كم 2 بنسبة 46,6 بالمئة ضمن الحدود الادرية لمحافظة كربلاء، و966 كم 2 بنسبة 53,4 بالمئة ضمن حدود محفظة الانبار، مما يجعلها ذات سعة خزنية هائلة".
 
أبي دبس
ورغم أن لا تاريخ محددا لتكوين البحيرة كما يقول الشريفي، ولكن يمكن القول انها قديمة التكوين، وكانت تقع ضمن ما يسمى جنة عدن السامية المتكونة من بحيرة الحبانية وهور ابي دبس والذي يمثل جزءا من بحيرة الرزازة، التي تعد واحدة من أوسع البحيرات في العالم وتمثل المرتبة الثامنة بين أقرانها، خاصة أنها تقع في الاقليم الصحراوي الحار والجاف.
 
عمق تاريخي
ويذكر الشريفي "انه قد تكون البحيرة كما تذكر المصادر قد تكونت في الزمن الجيولوجي البلايوسين قبل 15مليون سنة، والمينايوسين قبل 35 مليون سنة، حيث تعرض النطاق الى خفض وانكسارات، ويمكن ملاحظة ذلك بارتفاع الجانب الشرقي اكثر من الجانب الغربي، وهو ما جعل الأمر صعبا أن تعمل البحيرة على تزويد الفرات بالمياه". 
ويشير الى ان "اغلب الباحثين توصلوا الى ان منخفضات البحيرة تمثل نهر الفرات القديم قبل حصول المتغيرات والحركات الجيولوجية في العصرين الأخيرين من العصر الجيولوجي الثالث، وهذه الأحداث حصلت قبل دخول الساميين الى العراق اي قبل كتابة التوراة، وتؤكد المصادر استخدام العراقيين لبحيرة الرزازة كان خزنا للسيطرة على فياضات نهر الفرات كما هو الحال في وقت الحاضر بتحويل المياه الى بحيرة الثرثار، ومن ثم تحويله الى الرزازة عن طريق نظام تقلية المجرة، ويؤكد ذلك اكتشاف نهر الفرات القديم والمجرى الفرعي، ويذهب وليم وليك فوكس الى انها منخفض بقوله (إن البابليين كانوا يربطون الفرات بواسطة مصارف فيضان محكمة تؤدي الى منخفضين في الصحراء الغربية الواقعة في شمال غربي محافظة بابل، الاول الشمالي (الحبانية) والثاني جنوبي( ابو دبس) ولم يشغل هذان المصدران لحفظ مياه الفيضانات، بل استخدما لإمداد نهر الفرات بالمياه وقت قلة المياه).
وذكر "انه توجد على منسوب 25 مترا فوق مستوى سطح البحر في منخفض ابي دبس طبقة سميكة من المحار الفراتي يستدل منها على ان المنخفض كان مملوءا بالمياه المتصرفة من الفرات، وقد اعتمد هذا المنسوب في الدراسة الحديثة لربط البحيرة بالفرات".
 
سعة وشح
كان الزائر يقف على مرتفعات تحيط بالبحيرة وهي مرتفعات رملية وصخرية، لكن الآن فان السيارة تمشي لمسافات طويلة داخل ما كان يسمى بالبحيرة، التي امتلأت حافاتها بالقصب، وكذلك ماتت أغلب ثروتها السمكية التي كان يعيش على  مصادرها المئات من الصيادين، اما الان فهي فقط للهواة وصيادي الاسماك الصغيرة (الحرش) و(الشانك) وهو ما أكده الصياد الهاوي نعيم رجا.
وأضاف "ان الاسماك الكبيرة كانت تملأ البحيرة وفيها أغلب الانواع العراقية الشهيرة، كالكطان والبني والشبوط والكارب، إضافة الى الاسماك الصغيرة التي كانت تعاد الى البحيرة بعد صيدها، ولكن الآن لا شيء من هذه الاسماك إلّا الصغيرة منها، حيث يتم صيدها من قبل بعض الصيادين للعيش اليومي".
ويدعو رجا الى إعادة الحياة الى البحيرة من خلال ضخ المياه من البحيرات الاخرى والاستفادة منها في احياء الثروة السمكية، وكذلك تلطيف الجو والبيئة وزيادة المياه الجوفية في الاراضي المحيطة بالبحيرة.
 ويعود الباحث الشريفي ويقول: "إن السعة الخزنية للبحيرة في الوقت الحاضر تصل بحدود نصف مليار متر مكعب، ولذا تعد بحيرة جافة وبحيرة ميتة الى حد ما، وهذا الامر يعود لعدة اسباب، أولها إقامة تركيا لسدود متعددة تسببت بقلة المياه الواردة من جانب سوريا، وتركيا كانت تمد نهر الفرات بأكثر من 950م3 بالثانية الآن كميات متفاوتة ما بين 150م3 بالثانية الى 450 م3 بالثانية وهذه الكميات لا تكفي لسد حاجة مناطق الوسط والجنوب من المياه الشرب والسقي".
ولفت الى انه يصعب تزويد البحيرة بالمياه التي انخفضت، موضحا "انه من عام 2000 لغاية عام 2021 لم تزود البحيرة بأية كميات من المياه ألا قبل عامين، حين زودت بنحو مليار م3  بسبب الامطار الغزيرة التي سقطت على العراق في حينها، وهذا ما ادى الى رفع منسوب بسيط لكنها لم تؤد الى احيائها بشكل كبير".
 
دراسة وإغفال
ويشير الشريفي الذي كان يشغل منصب مستشار محافظ كربلاء لشؤون الموارد المائية، ويعمل في منظمة مختصة بالمياه، انه والمنظمة قدموا دراسة شارك فيها مختصون في الموارد المائية، واستمرت لسنوات من أجل إعادة إحياء البحيرة وربطها بنهر الفرات، وكان في حينها هناك تعاون بين المحافظة ووزارة الموارد المائية.
وبين "ان الخطة تعتمد على عدة مراحل، أهمها تجزئة البحيرة الى جزأين كي تستوعب كميات مياه لا باس بها لأنه لا يمكن ان تخزن كميات كبيرة في البحيرة  في الوقت الراهن تصل الى 25 مليار م3، ولكن يمكن على مراحل ثلاث، وكل مرحلة يخزن ما بين ثلاثة وخمسة مليارات م3 وربطها بالفرات عن طريق مسار تم تحديده واخذ مناسيب له، وقد تم الاتفاق عليه بين المحافظة ووزارة الموارد المائية، لكن الشريفي يستدرك بقوله "ان قلة الامكانات المادية وعدم الاهتمام الكبير في جانب احياء البحيرة أديا الى تأخر تنفيذ المقترح والمخططات، علما ان الوزرة انشأت دائرة مهندس مقيم للمشروع، ولكن لا تطور إيجابيا، حتى الآن لا ندري الى أين  وصلت الامور، ونعتقد ان العمل توقف وربما تم إلغاء الدائرة، مذكّرا ان إحياء البحيرة بهذه الطريقة أمر مهم للعراق وكذلك لكربلاء والوسط والجنوب، لان خزن مياه حية بمقدار ما تم اقتراحه ممكن الاستفادة منه أيضا بتزويد نهر الفرات في حالة حصول شح مائي، ومن ثم ضمان استمرار كميات المياه الى المناطق المحيطة". مشيرا الى ان "بحيرة الرزازة اكثر سعة لحفظ المياه من بحيرة الحبانية التي سعتها الخزنية ثلاثة مليارات م3 وتعتمد على تلك البحيرة في أيام الشح، ولابأس ان يكون هناك خزين آخر في الرزازة، ويمكن ان يكون اكثر بحسب الدراسة التي قدمت لتخزين المياه".
يؤكد المهندس الزراعي يوسف عبد الواحد في دائرة الري لمحافظة كربلاء المقدسة" ان ملوحة الماء في البحيرة تتراوح بشكل نسبي بين (5) بالالف بالنسبة لارتفاع منسوب المياه فيها، اما عند الانخفاض فالملوحة قد تصل الى (18) بالالف، اما ما يسبب عسرة الماء فهو عنصري كلوريد الصوديوم وكلوريد الكالسيوم وعدم رغوة الصابون فيه، فضلا عن درجة الحرارة للماء التي تترواح بين (19م.5) في شهر نيسان".
اما رئيس جمعية الصيادين في محافظة كربلاء صبري العامري فقد وضح ان " لقلة المياه في بحيرة الرزازة ادى الى ارتفاع منسوب الملوحة فيها، مما ادى الى نفوق انواع عديدة من الاسماك التي كانت مصدر عيش الكثير من الصيادين".
واشار العامري " ان عدم الوعي بما نتنجه بحيرة الرزازة، أدى الى انخفاض منسوب الماء فيها، اذ ان الصيادين يمدون السوق بمئات الاطنان من السمك يومياً، لهذا كلنا رجاء باعادة احياء هذه البحيرة بواسطة امداد الماء لها".