المتقدمون للامتحانات الخارجيّة يقتربون من المليون!

ريبورتاج 2021/02/01
...

  علي غني
 
يمكن أن اطلق على العام الدراسي 2020 - 2021 هو عام الامتحانات الخارجية بامتياز، لأنه عام لن يتكرر في العراق، فالأرقام مذهلة، واذا بقيت هذه الارقام للأعوام المقبلة، علينا ان نفكر (ببكلوريا) خاصة بالخارجي، اذ ان الرقم الذي قدره المختصون حتى كتابة التحقيق الصحفي هو ما يقارب الـ (800) ألف من الذكور والاناث، بعدما كانت الارقام في السنوات الماضية، لاتتعدى المئات في المديريات العامة للتربية في عموم العراق، فماذا حدث؟ ولماذا تضاعفت الاعداد في هذا العام، وهل استعدت وزارة التربية في ظل جائحة (كورونا)؟.
غزو خارجي
نظام الامتحانات في العراق، ومنذ القدم سمح للطلبة الذين لم ينجحوا في اجتياز مراحلهم الدراسية بالدراستين الصباحية والمسائية، باداء الامتحان الخارجي، وهو بديل يكاد يكون مناسبا، لدى العديد من الطلبة للحصول على الشهادة في المراحل الدراسية (الابتدائية والمتوسطة والاعدادية)، وعلى مدى سنوات طويلة، كان عدد الطلبة الذين يتقدمون لهذا النوع من الامتحان لا يتجاوز المئات في كل المديرية العامة للتربية، ونادرا ما يقدم الآلاف في بعض المديريات، الا انه ما حدث بهذا العام، كان شيئا لايصدق، اذ (غزت) المديريات العامة للتربية في بغداد والمحافظات اعداد هائلة من الجنسين (ذكورا واناثا) للتقديم للامتحانات الخارجية والتي سنكشف عنها في هذا التحقيق.
 
الخامسة صباحا
لم اصدق ما قالته لي السيدة (ام روان) وهي تتحدث عن معاناة ابنها في تسليم معاملة الامتحان الخارجي، اذ انه يخرج في الخامسة صباحا من البيت لتسليم معاملته للموظف المختص بالمديرية، لكنه يفشل، ويعود الى البيت، وهوفي أسوأ حال، فأصابني الذهول، وقلت هل هذا معقول؟! اجابتني، ماذا لو اخبرتك بأنه في أحد الايام توجه في الساعة الرابعة صباحا لأحد مراكز التسليم، ولم يصله (الطابور)، انها امور وكأنها من الخيال العلمي، وهذا حال العديد من اولياء الامور.
فأيدها ولي امر الطالب الخارجي محمد حسن (ابو انمار)، مضيفا: "انه راجع مدرسة ابنه المسائية اكثر من اسبوع، ليتأكد من وجود اسمه في السجلات فقط، وبعد جهد جهيد وجدته، لكن فرحتي لم تتم، اذ اصطدمت بالحشود المؤلفة من الطلبة المتقدمين قبلي، وبقيت لمدة اسبوع اراجع بالمعاملة حتى تسلمها مني الموظف في الامتحانات، والحقيقة ان الصحوة التي حدثت لابني ودفعته للتقديم للامتحانات الخارجية، هو عندما تقدم لأحد الوظائف الحكومية، فاشترطوا عليه الحصول على شهادة التخرج من المتوسطة، علما ان الوظيفة التي تقدم اليها هي (موظف خدمة).
مدير احدى المدارس المسائية فضل عدم ذكر اسمه، تمتم بعصبية، كورونا رحمة على الطلبة الخارجيين ونقمة على المدارس المسائية، كيف؟ فقال: "يأتيك احد الطلبة، والكلام (للمدير) مضى على تركه الدراسة اكثر من عشر سنوات، ويريد منا استخراج قيده، وقد وصل عدد المتقدمين لاستخراج اولياتهم من مدرستنا نحو (2000) طالب، وبعض هذه المدارس المسائية تم شطرها الى مدرستين، واغلب هؤلاء يتصورون انهم سينجحون نتيجة الاجراءات المبسطة لوزارة التربية".
 
أزمة كورونا والأسئلة
ويقول المدرس خليل ابراهيم، "ان نسب النجاح العالية التي حصلت في السنة الماضية كانت بسبب ازمة كورونا، ما ادى الى تعاطف الوزارة مع الطلبة، واعتقاد معظم الطلبة بان هذه الازمة ستستمر، ومن ث فإن الاسئلة بسيطة، كما ان الوزارة قد اجرت حذوفات عديدة في المناهج وتم تقليصها، وان اغلب المتقدمين يهمهم الحصول على الشهادة، وهناك من يريد الحصول على الشهادة لغرض تحسين الراتب الوظيفي فضلا عن الترقية".
استغراب واندهاش
بينما اكدت المدرسة المتقاعدة من معهد المعلمات، ومديرة المركز المجتمعي في المديرية العامة لتربية الكرخ الثانية سابقا انعام الهاشمي، والتي ابدت اندهاشها واستغرابها من عدد المتقدمين للامتحانات الخارجية، وهي تصف المشهد (لم يبق أحد في بيته لم يقدم للخارجي)، وتساءلت مع نفسها، ماذا تعني هذه الظاهرة؟، هل تعني ان المتقدمين يسعون لتحسين المستوى العلمي ام ماذا؟، واجابت على تساؤلها" لا اعتقد ان هناك من يريد تحسين المستوى العلمي، لكن الغالبية تسعى للحصول على الشهادة (بلاش)، نتيجة لتخبط وزارة التربية، واتخاذها القرارات غير المدروسة، (الحذف والتقليص، والدور الثالث)".
وتابعت كلامها "على المديريات العامة للتربية ان تنهض بالواقع التعليمي، ولا تترك الامور سائبة، بعد ان تدنى المستوى العلمي لجميع المراحل الدراسية، وعليها ضبط ايقاع الامتحانات الوزارية، واخضاعها الى رقابة علمية شديدة، وإلا فإن الامور تسير نحو الهاوية".
 
معلومات مدهشة
المدير العام لتربية بغداد الكرخ الثانية الدكتور قيس الكلابي، زودنا بمعلومات مدهشة، وهي تقال لأول مرة، اذ تحدث بصراحة وقال: "المعتاد في السنوات الماضية، كانت الاعداد تتراوح مابين (5 - 6) آلاف في كل مديرية عامة للتربية في عموم العراق، ولكن لاسباب تتعلق بالموضوع التربوي وجائحة كورونا، واضطرار وزارة التربية الى تعليق بعض المناهج والغاء البعض، وان طبيعة الدوام اصبحت عن بعد وبواسطة طريق التعليم الالكتروني، وما تبع ذلك من بعض التسهيلات لتمرير العام الدراسي الماضي، ومراعاة لظروف الطلبة، كل ذلك دفع بالمواطنين الذين لم يحصلوا على ترقية اكمال تحصيلهم الدراسي، الى التفكير بأن هذه السنة مناسبة لاجتياز عقبات دراسية، كانوا قد عجزوا منها في الماضي، متصورين ان رصانة الشهادة العراقية قد ضعفت، أو تتاثر بهذه الظروف مما يمكنهم عبور هذه العقبة التي كانت مستحيلة في الاعوام السابقة".
 
صحوة وفورة
وتابع الكلابي "مما سبب صحوة وفورة في التقديم على الامتحانات الخارجية، بحيث تضاعفت الاعداد الى عشرة اضعاف في بعض المحافظات، فمثلا كان عدد المتقدمين للمديرية العامة لتربية الكرخ الثانية حتى الان تجاوز الـ(15) الفا والعدد ربما في ازدياد، في حين سمعنا عن ارقام غريبة، فقد وصل عدد المتقدمين في محافظة نينوى الى (100) الف، وفي تقديري قد يصل العدد الى (800) الف في عموم المحافظات العراقية، وربما يزداد
اكثر".
وعزا المدير العام لتربية الكرخ الثانية هذه الزيادة الكبيرة جدا، الى ان بعض المواطنين الذين لم يحصلوا على شهادة سابقا، بامكانهم الحصول عليها الآن، وذلك لأهمية الشهادة في الترقية للموظفين، وكذلك للحصول على الوظيفة لمن هو خارج الوظيفة، وأود أن اقول لك (حقيقة غائبة عن الدولة) والكلام للكلابي "هو عدم اهتمام الدولة بالقطاعات الصناعية والزراعية التي بامكانها استيعاب اصحاب الشهادات البسيطة وتشغيلهم والافادة من خدماتهم، بدلا من التطلعات للحصول على شهادات عليا من دون أن يتم استيفاء حقوقهم".
 
المعرفة والثقافة
وبحسب (رأيي الشخصي)، انه من حق اي مواطن الحصول على الشهادة، وان يطور نفسه، ولكن الشهادة لا يمكن اختزالها باختبار، وانما تعني المعرفة والثقافة واكتساب العلوم، وهذا يعني اكتسابها يتم عن طريق الدراسة المضنية والاجتهاد، وشهادة السادس الابتدائي تستغرق الحصول عليها ست سنوات والمتوسطة ثلاث سنوات والاعداديها مثلها في عدد السنوات، وفرصة التعليم الخارجي جاءت لمن تلكأ بالدراسة، ومن فاته قطار التعليم، ومن ثمّ فمن الممكن لهذا المواطن الذي يحصل على الشهادة عن طريق الاستعداد والدراسة والمثابرة ومن ثم اجتياز الامتحان حاله حال الاخرين، فيصبح الامتحان الخارجي هو امتياز حقيقي لمن يستحق الشهادة العراقية الرصينة وفق شرطها وشروطها، ولم تكن منحة او هبة او مساعدة في ظروف استثنائية تمنح لمن لايستحقها، لان ذلك يقلل من قيمة ورصانة الشهادة العراقية المعروفة برصانتها العلمية في الاوساط الاكاديمية 
والعلمية.
 
تنشيط محو الامية
وما الحل؟، لتخفيف الزخم وتجنب حدوث مثل هذه الظاهرة في السنوات المقبلة، فأجابنا الدكتور الكلابي "في ما يخص الحصول على شهادة السادس الابتدائي، وهي الركيزة الاساسية واللبنة الاولى في التعليم، يجب تنشيط فكرة العمل بنظام محو الامية، وعلى من يرغب بالحصول عليها يجب ان يتحول من شخص أمي الى شخص يقرأ ويكتب، وعليه ان يدخل في مراكز محو الامية وهي منتشرة في عموم العراق، ويتعلم بصورة حقيقية ليكون مؤهلا للحصول على شهادة السادس الابتدائي، اما من يرغب باكمال مسيرته باتجاه شهادة اعلى، عليه ان يتهيأ بالدراسة والمثابرة قبل ان يفكر باجتياز اي امتحان للحصول على الشهادة، وينطبق هذا الحال على الشهادة الاعدادية، وذلك لان وزارة التربية وتحت اي ظرف لن تجازف بقيمة الشهادة العراقية، لان ذلك يعد هدما لاحد اهم اركان الدولة العراقية، وهذا ما سنلاحظه عندما ستتم فلترة هذه الاعداد المهولة في اول اختبار وهو الامتحان التمهيدي، ويبقى منهم الذين يستحقون المشاركة الفعلية في الامتحان الرسمي".
 
ظاهرة جديدة
ومن خلال استطلاعي للعديد من المتقدمين وجدت اغلبهم من الموظفين سواء كانوا مدنيين او عسكريين، يرغبون في الحصول على الشهادة، املا بالترقية وتحسين الراتب، بينما وجدت من الشباب العشريني (ذكورا واناثا) من الحالمين بالوظيفة التي تتطلب حصولهم على الشهادة البسيطة، ووجدت العدد القليل من الراغبين بالشهادة لتحسين ثقافتهم والوجاهة الاجتماعية، ولمست ان هناك من يمني نفسه (بالرد والغش والتساهل نتيجة الظروف التي يمر بها التعليم في العراق)، وكل هذه الامور يحب ان تتطلب متابعة من وزارة التربية، وايجاد انظمة اكثر تقدما في تبسيط التقديم، لان ما رأيناه من اعداد هائلة ومعاناة حقيقية، يتطلب حلولا تواكب العصر، وليس آليات قديمة ومتعبة.