أقوم المسالك!

الصفحة الاخيرة 2021/02/01
...

جواد علي كسار
أسعد ما يستيقظ عليه الكاتب هو ردّ فعل يقرأه على مقال كتبه، حتى لو جاء بصيغة التذكير بمعلومة أو التنبيه على خطأ وقع فيه، كما فعل معي صديقنا السيد صادق التبريزي أحد فضلاء حاضرة النجف الأشرف، حين نبّه على خطأ وقعتُ به في عمود «إشكالية المنهج» ،الذي نُشر الأسبوع الماضي، عندما ذكرتُ خير الدين حسيب مع أسماء 
رادة النهضة في العالم العربي الحديث، أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وهو لا يصحّ لأن خير الدين حسيب (معاصر، ولد 1929م) هو عراقي ارتبط اسمه بتأسيس وإدارة أهمّ مركز في العالم العربي، أقصد به مركز دراسات الوحدة العربية، ولا يزال على قيد الحياة. لم أجنح إلى التبرير، بل كتبتُ له من فوري «أعتذر» وما حصل هو «سبق قلمي» على وزن «السبق اللساني» فقد نريد أن نقول «ارسطو» ويسبق اللسان إلى «أفلاطون»، وما كنتُ أقصده 
بخير الدين، هو خير الدين التونسي، ولكن سبق القلم إلى خير الدين حسيب. اتصل بي صديقنا السيد صادق مجدّداً، وذكر أن د. نوفل أبو الشون هو أول من اكتشف الخطأ ونبّه عليه، فأكّدتُ له أنه محض اشتباه عابر في اللقب، وكلّ ما في المقال من قرائن، يُفيد أن المقصود به هو خير الدين التونسي، المتوفى سنة 1890م. لقد ارتبط اسم خير الدين التونسي بكتابه الريادي: «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» وهو الكتاب الذي صدر بالعربية أول مرّة عام 1867م، بمقدّمة طويلة بحجم كتاب تُذكّر بمقدّمة ابن خلدون، 
ودراسة مقارنة لعشرين دولة أوروبية كلّ دولة بفصل، ثمّ مجموعة ملاحق. خير الدين التونسي هو في الأصل مملوك شركسي ترقّى بالخدمة الوطيفية إلى منصب رئيس وزراء تونس، تركّز نظريته على الإصلاح الداخلي بدلاً من الخارج، وهو صاحب نظرية مقاومة أوروبا لكن ليس بالقطيعة، بل بالاقتباس وتخطّيها بالعلم والتعلّم منها، مهاجماً الاقتباس الاستهلاكي، داعياً إلى التقدّم بالعلوم والصناعات، وذلك لا يكون إلا «بالتنطيمات المؤسّسة على العدل السياسي» بحسب قوله. يقوم الكتاب على المنهج الاستقرائي لدراسة أحوال الأمم الأفرنجية والإسلامية حسب تعبيره، بحثاً عن «أسباب تقدّم الأمم وتأخرها». ينوّه التونسي بابن خلدون ويقتبس منه مباشرة، وهو يُذكّرنا بالطهطاوي ومحمد علي في مصر ويجمع بينهما، فهو السياسي وهو المفكر صاحب النظرية، وقد كان كتابه بمنزلة الصيحة التي تحذّر من الانهيار، والتغلغل الاستعماري المباشر!