تأثير الموسيقى في المزاج

الصفحة الاخيرة 2021/02/08
...

سامر المشعل 
عدد المقامات في الموسيقى العربية ثمانية مقامات هي: (الصبا، النهاوند، العجم، البيات، السيكاه، الحجاز،  الرست، الكرد) ومن هذه المقامات الرئيسة تشتق المقامات الفرعية.
ولكل مقام من هذه المقامات شخصيته وروحيته واحساسه التي تعبر عن حالة حسية معينة، فهناك نغمة (الصبا) التي تعبر عن الحزن الشديد والبكائية، ونغمة (الكرد) التي تستظهر المشاعر الداخلية وتعبر عن الانطلاق والحرية مثل أغنية «توبة» لعبد الحليم حافظ. ونغمة (البيات) التي تجمع بين الرقة والشجن والعتب والشوق والانتظار والسلطنة مثل أغنية «كل ده كان ليه» لمحمد عبد الوهاب، ونغمة (العجم) التي تعبر عن الفرح والبهجة والنصر، لذلك اغلب الاناشيد الوطنية لحنت على هذا المقام.. الخ.
وقيل ان ( لكل مقام مقال ) أي ان كل مقام مرتبط بحالة مزاجية معينة، وطبيعة الانغام لا تختلف عن طبيعة البشر، فهناك شخص مرح وآخر حزين وآخر وقور.. الخ.
صنف الفيلسوف الفارابي الموسيقى بحسب تأثيرها في النفس الى ثلاثة انواع : صنف يكسب النفس لذة وراحة، واطلق عليها الالحان الملذة، وصنف الالحان المخيلة، لأنها تثير في نفس الانسان تخيلات وتصورات، والنوع الثالث الالحان الانفعالية، فهي تعمل على ازالة الانفعال أو التخفيف من شدته. المعارف التي وضعها الفارابي في مجال الموسيقى، أتت من خلال خبرته ومزاولته للموسيقى وتعمقه في الوانها وتأثيرها، فهو عازف موسيقي من طراز خاص، واليه يعود الفضل في اكتشاف آلة القانون الموسيقية.
ومن الحكايات النادرة للفارابي في مجال الموسيقى انه كان في مجلس سيف الدولة الحمداني، واخذ ينتقد ( قيانه ) من العازفين ويوجههم، فسأله سيف الدولة: هل تحسن هذه الصنعة ؟ فاجابه بنعم، ثم اخرج خريطة فتحها وركب عيدانها، ثم عزف عليها، فضحك كل من في المجلس، ثم فكها وركبها بشكل آخر وضرب عليها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياما وخرج.
ما فعله الفارابي هو تجربة عملية في قوة تأثير الموسيقى في النفس البشرية، والتي اكدتها الابحاث الحديثة في مجال علم النفس، اذ اخذت تستخدم الموسيقى في علاج الاكتئاب والارق وتخفيف الآلام وتغيير المزاج وتقليل الوزن وغيرها.
وقد ساعدت الموسيقى الكثير ممن يعانون من الارق وعدم النوم، فعند سماعهم لموسيقى كلاسيكية اثناء خلودهم للنوم حدثت سرعة في استجابتهم للنوم، كذلك اجرى باحثون تجربة على مشاركين بركوب الدراجات، فزاد الباحثون من ايقاع الموسيقى، فتبين ان تسريع ايقاع الموسيقى ادى الى زيادة الاداء من حيث السرعة والمسافة المقطوعة والطاقة المبذولة، وعلى العكس من ذلك ادى تباطؤ ايقاع الموسيقى الى انخفاض جميع هذه المتغيرات.
الثيمة مما ذكرنا آنفاً ان الموسيقى لم تعد ترفا أو لهوا لملء الفراغ، انما هي حاجة ضرورية ارتبطت بحياة الانسان ومساعدته للتخلص من الكثير من امراض العصر.