النقدُ المعياري

الصفحة الاخيرة 2021/02/10
...

 رضا المحمداوي 
عادة ما يتمُّ وصفي داخل الدرس الاكاديمي بأنني ناقد معياري، اعتماداً على نتاجاتي النقدية المتواضعة التي بدأتُ بنشرها منذ  38 عاماً في حقلي السينما والدراما التلفزيونية، ومعنى (المعيارية) هنا يأتي بوضع العمل الفني داخل الميزان النقدي واعطاء القيمة الفنية النهائية من حيث الجودة او الرداءة. 
لكنَّ هذه الصرامة النقدية بمرجعيتها الأكاديمية تعرّضت في المدة الأخيرة إلى هزة كبيرة في قواعدها وأسسّها التي ثبتتْ على مدى عقود طويلة، فقد هدَّدها عالم الانترنت و(ميديا) التواصل الاجتماعي بالتزعزع، واضعفَ ثقتها بنفسها، اذ  بدأ ما يُسمّى بـ(نسبة وحجم المشاهدة) واعداد(الاعجابات) وكثرة (التعليقات) تُعتمَدُ  كـ(وحدة قياس) لمدى نجاح العمل الفني او فشلِهِ، خاصةً وان اغلب القنوات الفضائية وضَعَتْ برامجها على مواقعها الالكترونية، وَراحتْ فيما بعد تُسجّلُ عدد(المُشاهدات) وتعتمد إشارات الإعجابLike التي يضعُها (المُشاهِد) على ذلك الموقع أو تلك المنصة الالكترونية .
ومن هنا أصبحتْ هذه النسب معياراً للانتشار والنجاح والشيوع، باعتبار انَّ تلك الإشارات أصبحتْ وحدة قياس لنجاح أيّة مادةٍ فنيةٍ صورية - فيديوية.
وفي مرحلةٍ لاحقةٍ بدأتْ بعض الصحف والمجلات ومعها المواقع الالكترونية تعلنُ صراحةً بأن المادة الفنية أو حتى المقاطع الفيديوية قد نجحتْ جماهيرياً أو شعبياً وحقّقتْ حضورها الفني المتميز،الأمر الذي قد يُشجعُ على إنتاج مثيلاتها الفنية بعيداً عن اشتراطات ومواصفات العمل الدرامي والفني بقواعدِهِ وأسّسهِ الأكاديمية وخاصةً ما يتعلّقُ بخصائص الأنواع الدرامية المتطورة.
انَّ مكمن خطورة هذه الميزات(الهوائية) العابرة والطارئة بميزتها اللحظوية المتغيرة قد بدأ يترسّخُ شيئاً فشيئاً في ذاكرة المُتلقّي وهو يتابعُ تلك الشاشة والعرض التفاعلي، فضلاً عن أنَّ تلك المُشاهدات والإعجابات قد أصبحتْ بمثابة(رأس مال) اقتصادي- إعلامي حديث مُبتكر يدرُّ أرباحاً وعوائد مالية كبيرة لصاحب القناة أو الموقع الالكتروني و(اليوتيوب) ومن هنا اكتسبتْ هذه الظاهرة خطورتها وصعَّبتْ وَعَقَّدتْ  من عملية التقييم والاحتكام النقدي.