القصة الخامسة

ثقافة 2021/02/13
...

حميد المختار
 
 أخيرا أتيحت لي فرصة مشاهدة فيلم ابن أخي أحمد عبد «القصة الخامسة» الذي اشتغل عليه كثيرا هو ومجموعة من أصدقائه الذين وقفوا معه حتى النهاية إلى أن أنجز الفيلم.. أما جهة الانتاج فقد عمل أحمد المستحيل حتى يكمل فيلمه بأموال أتته كمساعدات من خارج العراق، بحث أحمد عن جهات انتاجية كثيرة كما يقول هو، فقد ساعده المخرج الأميركي (جيمس لونكلي) على العثور على منتج، إذ التقى بالمنتج السوري (لؤي حفار)، وكذلك أسهمت قناة الجزيرة الوثائقية حين تكفلت بمصاريف انتاجه، كما حصل أحمد على دعم من مؤسسة آفاق كمؤسسة بارزة للدعم الفني في الشرق الأوسط، وكذلك أسهم معهد “غوته” بمنحة لمساعدة المخرج في انتاج فيلمه.. هذه الجهود الجبارة أنتجت فيلما عراقيا استحق جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما في (ادفا)، وهو يستحق هذا الفوز بجدارة لما بذله فريق عمل الفيلم من جهود ومجازفات ورحلات وتعب على مدى أربع سنوات.. يحكي الفيلم قصة أربع شرائح مجتمعية استلّها المخرج بذكاء وعناية فائقة، الأول هو الأب (عبد) والد المخرج أحمد الذي قضى وطرا كبيرا من حياته في الحرب العراقية الايرانية، إذ كان يدفن الموتى من الجانبين ثم يرسم الضحايا على ورق في ظلمته الدامسة والثاني راعٍ موصلي، فتى مازال يعيش كوابيس الجثث التي رآها وهو مازال غضاً طري العود، والثالث هي فتاة أيزيدية تركت أنوثتها وحملت السلاح دفاعا عن مدينتها سنجار ضد عصابات داعش التي احتلت المدينة وقتلت الرجال وسبت النساء فكان عليها وعلى زميلاتها أن يحملن السلاح دفاعا عن الأرض والعرض.. والشريحة الرابعة هي شخصية الأسير العائد من الأسر في إيران إذ صار يعيش وحيداً بين القطارات المهجورة ويتحدث مع أشباح الماضي وكوابيسه، فلم يبق له شيء غير محاورة القطارات العاطلة الملتحفة بالظلمة القاتمة.. لقد استطاع (أحمد عبد) بذكائه وحنكته أن يقسم حياته على حياة شخصياته التي اختارها لتمثله، بالنتيجة ستمثل هذه الشخصيات الحالة المجتمعية العراقية التي شرذمتها الحروب وقتلت جمالها وصفاءها وانسانيتها.. إذا هي أربعة أجيال عراقية سحقتها فظاعات الحروب على مدار أربعين عاما من التدمير المستمر والخوف الكامن في القلوب، إذ فتح أحمد عينيه وهو في عامه التاسع ليرى الحرب تأكل الشباب وتحيل النساء إلى ثواكل بكتل سوداء وآباء مكسورين ينتظرون غائبين لن يأتوا أبدا.. 
بقيَ أن أقول إن القصة الخامسة هي قصة أحمد ذاته، هو وجيله المنتفض في تشرين، إذ تَشَكّل الأمل العراقي في هذه القلوب الشابة ليُبعث من جديد في صيحات أبناء العراق وهم يحاولون حرف بوصلة الحروب والفساد والخراب باتجاه جهة خامسة هي جهة السلام والأمن والبناء
 والحرية.