أظافر الغيرة الملوَّنة

ثقافة 2021/02/15
...

ابتهال بليبل
 
مغنية راب تدعى {كاردي بي} انشغلت الوكالات العالمية بحذائها الأحمر الذي ألقته في وجه مغنيّة راب أخرى اسمها {نيكي ميناج}وتناقلت وكالات الأنباء العالمية الكثير من الآراء والتحليلات المختلفة عن المنافسة والمقارنة بينهما وعن ادعاءات {كاردي}بشأن استفزازات {نيكي} المستمرة لها، ولكن يبدو أن الأهم من ذلك كلّه هو غيرة “كاردي” وجرأتها ولسانها السليط ولغتها 
المقذعة.
صحيح أن المنافسة بين النساء تفرحني عادة (بوصفها ظاهرة ايجابية)، إلاّ أن غيرة {كاردي} من {نيكي} تخيفني وتضع أمامي مجموعة من الأسئلة المختلفة! 
ولكن ما الذي يُخيف هنا بالضبط؟ لطالما ارتكز وجود الغيرة على فكرتي: (الجمالية والندرة) اللتين يتمّ رصدهما عشوائيا من تجارب نسائية يهيمن عليها التراث الأبوي الذي يرى أن التوافق بين النساء أمر صعب في كثير من الأحيان بسبب ديناميكية الصراع وطبيعته والسعي الدائم للسيطرة.
تميل هذه الديناميكية إلى افتراض نوع من التنافس بين النساء ربما هو جزء أصيل من “طبيعة الأنثى”، والتركيز على أن الرجل الذي تسعى خلفه النساء ليرضى بواحدة منهنّ هو صاحب التفوق والسلطة. مثلما تقوم به {كاردي} وشبيهاتها. إذ يركزن في مشوار تحقيق النجاح على غيرهن كوسيلة “داعمة” إنهن يحاولن إضفاء الطابع الجنسي على غيرهن وتجسيدهنّ من خلال التشكيك بقدرتهن أو أخلاقهن وثقافتهن من دون وعي حول ما يمكن أن تنتجه هذه الفكرة.
 والحقيقة أنّهن - بهذا السلوك- يضعن معايير محدّدة وغير واقعية لتحقيق النجاح لكنّني الآن، لا أفكر في النجاح نفسه، بل أفكر بأوهامهن عن إمكانية تحقيقه، لأنّ الأمر كله يتعلق بالاختيار والثقة بالنفس - وهي أوهام يسهل الحفاظ عليها طالما أنّهن لا يضعنّ أنفسهن محطّ مقارنة.
فالمتعارف عن النظريات النسوية أنها تضع التفاصيل في سياقها وهي تكافح للتغلب على الفعل الذي ينتج عنها. وفي مواجهة الفعل، فإن لغيرة المرأة من المرأة.. لها مكان مضمر في توجهات ومفاهيم تتفق مع نسوية خلقت طرقا جديدة للتفكير والتأمل النقدي، إنّها لا تهتم بالغيرة كموضوع للنساء، بقدر تصحيح الآراء التي لا تتجاهل وجود 
الغيرة. 
تقول أستاذة علم النفس في جامعة أوتاوا بكندا ترايسي فايانكور، إنّ “النساء يتنافسن، وقد ينافسن بشراسة الواحدة مع الأخرى، وأنهن يلجأن إلى العدائية غير المباشرة باعتبار أن كلفتها منخفضة، كما أن المهاجِمة لا تتعرض لأذى، وغالباً ما لا يتم الكشف عن دوافعها، غير أنها تتمكن، مع ذلك، من إلحاق الأذى بالمرأة التي تتعرض للهجوم”. 
الغيرة النسائية رمز قمعي راكد داخل (أنا) كل امرأة وهي تمثل ملمحا من ملامح النظام الأبوي، إذ تشعر صاحبتها بأنها مقيدة بفكرة رصد الأخرى والنيل منها.. وكأن الأمر واجب وضرورة حتمية. فضلا عن أنها - الغيرة - ذات أوجه عديدة ويبدو أنّه من الصعوبة بمكان أن يتم إخفاء مظاهرها السلوكية فقد تظهر على شكل عنف لفظي أو تراكيب لغوية دالة أو لغة 
جسد.