محمد تركي النصار
تيد هيوز (1930 - 1998) شاعر بريطاني ومترجم، منح لقب شاعر البلاط عام 1984 وظلّ في موقعه هذا حتى وفاته، ويعده النقاد الأكثر تأثيراً في الشعر الإنكليزي منذ عقد الستينيات من القرن العشرين. عاش حياته معرضاً لشتى الاتهامات في ما يخص انتحار زوجته الأولى الشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث.
من دواوينه: الصقر في المطر، الغراب، السقوط على الأرض، رسائل عيد الميلاد، حكايات من اوفيد، وغيرها.
في قصيدة (سقطة الغراب) يصف هيوز شخصية الغراب بطريقة خرافية أسطورية تتضمن نقدا مبطنا للتعصب المسيحي الارثوذوكسي واصفا السبب لسقوطه ومقدما عرضا عن كيفية تغيير لون الغراب من الأبيض الى الأسود. ووفقا للقصيدة فقد كان ريش الغراب في الأصل أبيض اللون، وذات يوم اعتقد بأن الشمس تشع بقوة أكثر منه، فانتابه الحسد من قوة هذا الاشعاع وقرر أن يهاجمها. فطار قريبا منها ظانا بأنه سيهزمها. هذا الحدث تسبب بسقطة الغراب حيث عاد متفحما أسود اللون مضيعا ريشه الأبيض:
حينما كان الغراب أبيض
رأى أن الشمس بيضاء جدا.
وان بياضها شديد الاشعاع.
فقررأن يخوض معركة ضدها ويهزمها.
استجمع قوته وتألقه
مطلقا نعيبه بهياج..
ووجه منقاره بشكل مباشر الى قلب الشمس.
وتمتازهذه القصيدة التي تنتمي للشعر الحديث، بعدم امتلاكها لأي تركيب لغوي منتظم ضمن اطار محدد، اذ انها تنتمي للشعر الحر، وتتألف من سبعة عشر بيتا متباينة في طولها. بعض أبيات القصيدة قصيرة جدا وتتكون من مقطعين بينما هناك أبيات اخرى طويلة مقارنة بسواها.
تعد (سقطة الغراب) من القصائد السهلة المباشرة في تجربة تيد هيوز. وتكنيكها لايحتوي على الكثير من الخصائص الشعرية المعقدة.. يستخدم الشاعر الضمير (هو) للاشارة الى الغراب وهذا هو مايسمى بالأنسنة. وهو مايشيع في عدد من أبيات القصيدة وأيضا يستخدم الأنسنة للأشجار عندما يقول بأنها شاخت (الأشجار صارت تشيخ):
ومن شدة صرخة المعركة
شاخت الأشجار وتهاوت الظلال على الأرض.
لكن الشمس لمعت أكثر
في الأبيات الأربعة الاولى من (سقطة الغراب) لا يشير هيوز الى غراب اعتيادي. هذا الغراب الأسطوري ليس أسود اللون بل يمتلك ريشا أبيض. هنا يمثل استخدام اللون الأبيض اشارة بأنه في حالة نقية.
استخدم تيد هيوز روح الفكاهة والسخرية في القصيدة، ويبدو نشاط الغراب في البدء مثيرا للضحك. كذلك تظهر حالة الخواء، فغطرسته جعلته أعمى لحقيقة ان الشمس لايمكن هزيمتها. وطبقا لرؤيته القاصرة بدت له الشمس أصغر من حجمه وشجعه ذلك على أن يتحدى قوتها. ويحاول هيوز هنا أن يصور الضريبة التي يدفعها أي شخص في حال سوء التقدير والحماسة العاطفية التي تجعل من هذا الكائن اضحوكة وكذلك ضحية للافراط في الطموح الذي قد يؤدي الى نهايات مأساوية:
فتح فمه فلم يخرج سوى السواد الشديد
هناك في الأعالي، ردد بصعوبة
(حيث الأبيض أسود والأسود أبيض)
حققت الانتصار.
يوجه الغراب منقاره باتجاه الشمس بكامل قوته لابدال مكانته مطلقا نعيق صرخة المعركة في السماء. وبينما يقترب من الشمس أكثر يخفيها جسمه للحظات وهذا ما يصعد لديه حالة الاستيهام بامكانية تحقيق النصر.
وفي الأبيات الأخيرة من القصيدة يعرض الشاعرضريبة الطموح المبالغ فيه، اذ يعود الغراب الى مكانه فيما تستمر الشمس باشراقها في السماء.
ويختتم الغراب القصيدة قائلا (حيث الأبيض أسود والأسود أبيض) أنا ربحت. هذا البيت ذو دلالة عميقة إذ إن هيوز يوضح الطبيعة الذهنية التي لم تتغير للغراب برغم تغير مظهره الخارجي جراء فعلته المتهورة، تفكيره الأساس بقي نفسه معتقدا بأنه حقق انتصارا على الشمس، وهنا تأكيد لحقيقة تفكير الغراب الشرير الذي يعكس صدى الجدل والاحالات الى مايريد هيوز التعبير عنه بخصوص التعصب الديني المسيحي الممتدة جذوره عميقا في ماهو ميثولوجي أسطوري منتقدا من خلال ذلك محدودية الأفق التي يقع الانسان ضحية لها بسبب تبنيه للمفاهيم الخاطئة.