لم أكتب عن أية فكرة ولدت في النهار، كل أفكاري تولد في الليل، لم تحك شهرزاد حكاياتها في النهار، فالنور يفضح الحكي، ويميته بالضوء، بينما ينمو الحكي في الظلمة أو تحت وسادة للنوم أومشعل فانوس نفطي، فالنار الهادئة صنو الظلمة الشفيفة، كل ما أكتبه ولدت أفكاره في الليل، في هذه المرجعية الإيداعية الكونية، التي تختزن ملايين الصور،من دون أن يهتدي إليها أحد،أو تهديأحدا الى طريق ينفذها. هذا السديم الكوني من النجوم التي نراها مضيئة هي في حقيقة أمرها مطفأة، لأنها ولدت في النور الكوني ثم ماتت، فأمست ضياء، لا أحد سيسكنها أو يعيد اليها ضوءها القديم. فقط الحي فيها حكايتها، حكاية انطفائها.
ترتبط الحكاية بالموت، كما يقول كليطيو، كل الحكايات ترتبط بالماضي، الماضي هو الموت، ما تحكية القصة في الحاضر هوعن موتها، كي تبقى حية، ودائما نكون بانتظار ولادة أخرى من نهاية موت حكاية سابقة، تستمر شهرزاد بالحكي ليلا، عن قصة موت حكايات النهار، ما أن يطلع الفجر حتى تسكن، فالموت قرين الضوء، الحكي يعيد الحياة إلى الظلام، هذه ليست مقولات شعرية أو صورا استعارية للظلمة والنور، انما هي كينونة الأشياء التي لا توجد إلا وتحمل موتها، فالظلمة هي الأب بالتبني
للحكاية.
كنت أحدث ابنائي عن حكاية المملكة المتحولة إلى مملكة مسحورة اسمها الجزائر الأربع، هي حكاية المملكة التي تحولت، بعد أن تسرب الجنس الأسود للمملكة النهار، وتحولت أسماكها إلى أربعة الوان، كل لون يتبع دينا معينا، ولأول مرة تقرأ حكاية جذرها التعددية الدينية، وفي البؤرة التي فجرت كل هذه الصيرورة المتشظية كان الجنس الأسود (الليل) هو حكاية الرقية، التي مسخت المملكة وشعبها، وحولت الملك الى نصفين: الأسفل حجر (الأعضاء الجنسية) وأبقت العلوي (العقل) بشريا، هذا التشظي، جعل ثيمة اللون المتعدد للأسماك (الابيض، والأزرق، والأحمر والأصفر)، هوية مابينية مكانها البحر مانح الحياة، معيدا تشكيل الصورة المثيولوجية الماء مصدر الحياة، فالبحر صورة كونية مابينية، تختزن الضوء والظلمة كي تبقى أحياؤها حية.
كل شيء يولد في العتمة، الملكة تمارس الجنس الأسود، في غرفة مظلمة مجاورة لعرش الملك، كان السواد الروحي يحول المملكة إلى جزائر، والناس إلى أسماك، واليابسة إلى بحر، بانتظار المنقذ الذي يفك رقية السحر عن المملكة وناسها، شرط أن يكون المنقذ من جنس الملك، وهذا ما حدث عندما بدأ الصياد الذي القى بشباكه في البحر ليصطاد الأسماك، وما أن وضعها في الطاجن لقليها، حتى حكت للصياد قصة مسخها، فما كان من الصياد/ الطاهي، إلا أن روى القصة لملكه، فجيّش هذا الملك جيوشا ليفك الرقية عن المملكة وشعبها، وحين استولى على المملكة سجن زوجة الملك الزانية وعبدها، وفك رقية السحر عن الملك والجزائر، لتعود المملكة إلى وضعها القديم، إلا أن ملكها لم يعد ملكا على مملكته، فقد انهت الحكاية دوره.
البؤرة المولد للحكاية الجديدة هي النار البروموثوسية، القوة الكونية التي تعيد صهر الأشياء لتخرج منها أشياء أخرى، ارتباط الجنس بـ"لنار السوداء"وارتباط فك الرقية بـ"النار الطاهية"، فالحكاية الجديدة لا تولد إلا تحت قوى النار المختلفة، هذا التحول ولد في ظلمة المملكة القديمة لتبدأ الحكاية الجديدة.