غارودي وفكرة للحوار

الصفحة الاخيرة 2021/02/15
...

جواد علي كسار
نصل الآن إلى علم الكلام؛ بهذه الجملة افتتح روجيه غارودي، المفكر الفرنسي المسلم، حديثه في جلسة دامت حوالي الساعتين، كان من حضّارها السيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمثقف التونسي د. عبد المجيد تراب زمزمي، والشيخ محمد سعيد النعماني وكاتب هذه السطور.
استغرب الجميع أن يُخصّص اجتماع على هذا المستوى وبمثل هذه الأهمية لبحث يتصل بعلم الكلام، بيد أن المفكر غارودي أصرّ على مطلبه موضحاً ذلك بقوله: إن المشكل الذي أطرحه ليس مشكلاً أكاديمياً؛ إنما يمثل بالنسبة لنا في أوروبا إشكالية حقيقية نعاني منها.
وسط دهشة الحضور من هذا النقاش، لاسيّما وهو يبدو لهم من دون هدف واضح؛ جدّد غارودي الإشارة لأهمية هذا الموضوع بالنسبة للمسلمين في الساحة الأوروبية، ثمّ أفصح عن غرضه، وهو يقول: يسود في أوروبا منطق قوي مؤدّاه أن الإسلام يستند إلى الوحي وينطلق منه، ومن ثمّ فإن من يمثله هم الفقهاء فقط باعتبارهم الخطّ الذي يتصل بالإسلام ويستثمر معطيات الوحي
وحده.
وأضاف غارودي: ما دامت الفلسفة تستند إلى العقل، والعقل في خصام مع الوحي، إذن هناك تقاطع نهائي بين الفيلسوف والفقيه، أو بين العقل والوحي، ومن ثمّ بين الإسلام والغرب، على اعتبار أن الإسلام يستمدّ قوته من الوحي، بينما يستمدّ الغرب كينونته ووجوده وديموميته من 
العقل.
بذلك لا مجال للحديث عن الإسلام (دين الوحي والفقه!) في أوروبا (ساحة العقل والحكمة والفلسفة!).
هذه هي الإشكالية التي تحكم الموضوع الذي أثرته وما زلت أصر على طرحه، وأضيف إليه قال غارودي مواصلاً: كيف يمكن أن نجد طريقة ندعو من خلالها إلى الإسلام، متجاوزين بها الإشكالية المذكورة التي تثيرها أوروبا بقوة وسط المسلمين الأوروبيين؟
حصل هذا النقاش في شباط 1989م، وقد غادرت أغلب الذوات المشاركة فيه إلى ربها، بما في ذلك غارودي نفسه، لكن لا تزال إشكالية التوفيق بين العقل والوحي قائمة أمام الإنسان، وستبقى هكذا أمام ثقافة الفكر 
الإنساني!