مفارقات

الصفحة الاخيرة 2021/02/19
...

حسن العاني 
هناك امر شائع في الادبيات الكلاسيكية، ان الظروف المناخية وكذلك المكونات الجغرافية والعامل الديني، تؤثر مجتمعة او منفردة على البناء السلوكي والعقلي والمزاجي للشعوب، فالطباع العامة للسكان في الهند المتوهجة حراً، هي غيرها في السويد المتجمدة برداً، والمزحة التي يضحك لها الكوري حتى تدمع عيناه – مع أن عينيه لا تستوعبان الدموع – هي غير ما يضحك لها البرتغالي، وما يثير غضب الصيني هو غير ما يثير البرازيلي !
لا خلاف بالتأكيد على هذه الحقائق، لان للجبل احكاماً لا تتوافق مع احكام الهدر، ولا تلتقي مع طبيعة الصحراء او أراضي السهول او الأنهار، ومع ذلك اكتشفت أن كثيرًا من امزجة الحزن والفرح او التعاملات اليومية لدى الشعوب، تتفاعل مع السياسة وتأخذ عنها وتتأثر بها، وعلة ذلك أن السياسة عنصر فوقي من عناصر الحياة يوجه ما دونه، ويسيطر عليه وهو يتفاوت من بلد الى آخر، فالسياسة قد تكون مصالح انانية او ثوابت أخلاقية او ( فن الممكن)، ولكن بالنتيجة النهائية تنسحب تركيبتها على الذائقة العامة للناس، بل وحتى على سلوك النظام نفسه !
الأمثلة التي بين يدي يصعب حصرها، ففي المانيا لا تتحدث الصحف عن شيء اسمه (حقوق المرأة) لاسباب معروفة بخلاف ما يجري في أفغانستان مثلاً او بلدان العالم الثالث، وفي فرنسا قد تطالب المرأة بأي شيء الا حريتها، بينما الغت بعض الدول عنوان (نحات) من درجاتها الوظيفية، وثلاثة ارباع الشعب المصري يضحك الى حد الاغماء اذا سمع احداً يتحدث عن علاقة الاخوان المسلمين بالديمقراطية، والمفارقات السياسية مفتوحة، لا حدود لها، فروسيا التي رفعت اول شعار للمبادئ الشيوعية في العالم، ترفع الان شعار (المصلحة) اولاً وثانياً وثالثاً والمبادئ رابعاً، وفي بريطانيا يعد رئيس الوزراء اكثر الموظفين خضوعاً للمحاسبة، وما زالت المفارقات امامنا كثيرة، لعل اطرفها أن الشعب العراقي يستلقي على قفاه من الضحك، اذا سمع سياسياً يتحدث عن التداول السلمي للسلطة !