باسم عبد الحميد حمودي
(لقاء الجمعة) رواية الصناعة السردية الجديدة اللافتة التي استخدمت تقنيات الفيسبوك لتقول رسالتها السردية بأبهى ما يكون.
حامد فاضل يجعل المؤلف الضمني يضيع اللابتوب خاصته وهو يحفظ فيه مخطط روايته الجديدة عن شخصية وطنية مثل سهيل السماوي بعد عدة لقاءات أجراها معه صباح الجمعة، ومن هنا تبدأ لعبة الكاتب الذي يستنهض أصدقاء صفحته في الفيس ويشاورهم في العمل، ثم يأخذ برأي صديقه الناقد ياسين النصير الذي دعاه للعمل مجددا.
يشتري حامد فاضل حاسوبا جديدا ويبدأ العمل مجددا في رواية حافلة عن السماوة ونشاطها التاريخي الوطني، هنا تظهر على الحاسوب رسالة من مجهول يشير أن مخطط الرواية عنده وانه سيقوم بتدوين المادة الروائية عن الشخصية السرديةالتي قابلها مرارا يوم الجمعة(سهيل السماوي) اعتمادا على مخطط الرواية التي كانت في حاسوب للمؤلف والذي وقع بيد المتحدث الغامض.
يضطر الروائي للانتظار متطلعا الى ما سيحدث في جسم سرديته التي استغلها هذا المتطفل الذي يعلن للكاتب حامد فاضل انه لن يدون اسمه على المادة السردية الجديدة بل ستكون له هو.
عند اكتمال العمل السردي يرسله الكاتب المجهول الى الروائي حامد فاضل بتوقيعه وهو سهيل السماوي، عندئذ يكتشف القارئ أن حامد بن فاضل –الروائي الحقيقي- قد افاد من تقنيات الحاسوب ليلعب بالقارئ لتبدأ فصول الرواية المدونة..لقاء الجمعة.
تثير رواية الكاتب حامد فاضل الجديدة (لقاء الجمعة) الكثير من علامات التقابل بين الزمن (زمن الحرية وزمن السجن)، والمكان الذي هو مجموعة أمكنة تحركت داخلها الأحداث(البلدة –الصحراء–السجن- بغداد-المدرسة –ارض العسكر) وحيوات التوق(الى الحرية –الى المعشوقة- الى الحياة الفكرية)فضلا عن تقابلات البشر بكل تنوعهم وسلوكهم (شادي رجل الامن ومن يمثله، ونماذج الحرية العاملون عليها امثال الاستاذ منير الجميلي، والتكريتيان السجينان، وعزيز الشيخ وحسين مردان وسواهم).
(لقاء الجمعة) لاتقف عند هذه التقابلات بل هي أنموذج للحفرية الدرامية التاريخية داخل مدينة السماوة وشخصياتها وارتباطها بالصحراء المجاورة التي تعاطت معها المدينة.
هنا تكون (بصية) التي تكون اسمها من بص الماء، صوته وهو يهدر بنعومة في حصى وتراب الصحراء الشاسعة التي تربطها بالسماوة وتبعدها عنها.
(بصية) مرتع الصبا وموئل الحب حيث (سارة) وحيث حياة الحرية والاحلام المؤجلة التي تحققت بعد حياة عاصفة.
المكان هنا ليس مكانا مؤثثا بالعاطفة فقط بل بالكثير من الاحداث التي قادت سهيل السماوي الى هذا الركن من العالم أو ذاك.
رواية(لقاء الجمعة)أمكنة وشخوص كل مكان يشكل مفازة سرد: البيت – غرفة المكتبة-متوسطة السماوة– مركز شرطة الخناق- القطار –مقر شرطة الخيالة –المجلس العرفي – نقرة السلمان –بعقوبة والامكنة الاخرى.
الشخوص يتغير بعضهم أحيانا وبحكم الأحداث،إذ إن شخصية مثل الأستاذ منير الجميلي مفتاح الدعوة السياسية تنتهي حدثيا لوجود من يسد مسدها مثل عزيز الشيخ لكن عزيزا لا يبقى بل يتغير بشخصيات السجن مثل آرا خاجادور- حميد عثمان- بحر العلوم وسواهم.
الشخصية الثابتة التي تبتعد وتعود بشكل قوي أخاذ هي شخصية الفتاة (سارة) الحبيبة رمز النقاء والعاطفة المشبوبة التي اصبحت زوجته في النهاية-البداية..
تأخذنا الرواية الى تفاصيل الحياة النضالية زمن الحكم الملكي حتى قامت حركة 14 تموز58 ثم تنتقل الى زمن التغيير العاصف في 2003،إذ أضحى سهيل السماوي مسوؤلا عن ملف النزاهة في (السماوة) لكنه يترك العمل متفرغا الى حياته الخاصة وبحوثه، وتنتهي دورة السرد بوصول الحاسوب الضائع اليه وقد كشف سهيل السماوي عن ذاته.
(لقاء الجمعة) رواية السماوة في الحب والنضال وسيرورة المكان المواجه للصحراء التي اعطته وأخذت منه تلك الشعرية المكثفة والقوة المدركة ومرارة العشق وقوته.