في رحاب المساجلات الشعريَّة بين الصدر والسهلاني

ثقافة 2021/02/24
...

 حسين الصدر
- 1 -
إذا كانت الصداقة شجرة فمن أشهى ثمارها من دون شك الأشعار المتبادلة بين الصديقين، ومن النادر جداً أنْ تجد صديقيْن أدبيين من دون أنْ تشم الشذا الفوّاح في المساجلات الشعرية بينهما.
الشعر لغة القلوب...
وما أندى القلوب المُحبّة في العطاء، وما أروَعَها في الوفاء
- 2 -
والمساجلات الجارية بيني وبين صديقنا العزيز الراحل المرحوم العلامة الشيخ محمد جواد السهلاني ذات فصول وامتدادات واسعة المساحة، وفي مناسبات شتى.
منها ما كان في (الشام) يوم كنا هناك في الثمانينات من القرن الماضي.
ومنها ما كان في (لندن) بعد أنْ أقمنا بها في منتصف الثمانينات وكان الشيخ السهلاني – عطر الله مرقده – يفد الى لندن للعلاج، ويقضي فيها بعض شهور الصيف.
والشيخ السهلاني رجلٌ وَدود مِضياف، ويجري الشعر على لسانه كما تجري مودته لأصدقائه مع الدم في العروق.
- 3 -
وسأكتفي في هذه المقالة الوجيزة باستعراض بعض الشواهد التي كتبت في لندن.
كتب إليّ حين عزم على مغادرة لندن في بعض سفراته يقول:
أغادر (لندنا) صُبْحاً واني
الى لقياكَ في شوق عظيمِ
فيومٌ لا أراك (حسينُ) فيهِ
تراني فاقداً سُبل النعيمِ
فأجبته قائلا:
مُحَيّاكَ الصباح سَنَاً ولطْفاً
وفي لقياكَ أنداءُ النعيمِ
إذا جئت الجوادَ وجدت كوْنَاً
مِنَ الإشراق والخلق الكريمِ
يَعز عليّ أنْ تنأى وأبقى
وحيداً عندَ مُشتَبكِ الهمومِ
تضيقُ بي الديار وليس عندي
مِنَ السلوى سوى العهدِ القديمِ
وكلمني هاتفيا ذات مرة طالباً مني التوجه لزيارته في الحال، وحين وصلت الى داره وجدته واقفاً في انتظاري بباب الدار وانشدني قوله:
ووقفت منتظراً لمقدمِ سّيدٍ
فَخِر العراقِ مِنَ الطرازِ الأَوَلِ
ذاكَ (الحسين الصدرُ) رمزُ جهادِنا
أكرمْ بِهِ مِنْ قادمٍ متفضلِ
فأجبته قائلا:
كَرمُ الضيافةِ قد دعاكَ لوقفةٍ
ماكان أَبْلَغهَا ببابِ المنزلِ
أنتَ (الجواد) كما دَعَوْكَ وانني
قد جئت ظمآناً لأَعذَبِ منهلِ
- 4 -
وحين أزمع ولده العلامة الشيخ فاضل السهلاني التوجه الى نيويورك ليكون العالم الديني في مؤسسة الامام الخوئي – قدس سره - هناك كتب والده بيتين قال فيهما:
(أفاضل) إنْ سافرتَ عني فإنني
سأبقى وحيداً يا بُنيَّ بلندنِ
حملت هموماً لا أطيقُ عناءها
فمن بَعضها سُقمي وغربةَ موطني
وكان ذلك في 24 /8/ 1992
وهنا جاء دور التشطير..
وكان يعجبه أنْ تُشّطَر أشعارُه، وربما اكتفى بالتشطير عن التخميس، فقلنا في 
التشطير:
(أفاضل إنْ سافرتَ عني فإنني)
وعينيكَ عَنْ ذِكراكَ هيهاتَ أنثني
وإنْ أنتَ أزمعتَ الرحيلَ مُوَدِّعاً
(سأبقى وحيداً يا بُني بلندنِ)
(حملت هموما لا أطيق عناءها)
فلا الشمل مجموعٌ ولا عيشنا هَنِي
وما كف عني الدهر يوماً ما سِهَامَه
(فمن بعضها سُقمي وغربة موطني)
انّ الغربة والبعد عن الوطن والاهل ليست سهلة على الاطلاق.
انها تجعلك تحتسي كؤوس العناء المرّة ولن يكون لك مِنْ مُتَنَفسٍعن تلك الأجواء المشحونة باللوعة، ولن يخفف عنك اعباءَها الا اللقاء بالأصدقاء والاحباب ممن يشاركونك هموم الاغتراب، ويحملون ما تحمل من هموم وانفعالات..
وفي كل واحد منا لصاحبه شيء من العوضِ عن الوطن الحبيب الذي فارقه جسداً وبقيت روحُه تحوم حوله.