حوارات كورونا

ثقافة 2021/02/24
...

لؤي حمزة عباس
مثّل كتاب (حياةٌ تتهدّد، حوارات ويوميات كورونا) التجربة الاستثناء لمؤلفيه، طرفي الصداقة والحوار، ليس لكونه يصبُّ في أدبيات الوباء، الذي شغل العالم في ظرف بالغ الخصوصية من حياة الانسان على الكوكب فحسب، بل لكونه منحهما فرصةً نادرةً للإنصات والتفكير والقول، وما كتابته، فيما أظن، إلا محاولة لفهم الوباء والتعايش معه، وتحرير القول بصدده، ولأن الوباء مناسبة كونية فريدة، يكون التفكير فيه ضرباً من الهاجس العام الذي يدفع به الانسان مخاوف الأيام الأولى للجائحة، وهنا تولدت أهمية اتصال الأستاذ عبد الزهرة زكي وسؤاله إن كنت أتابع ما يُنشر من كتابات مثقفي العالم ومفكريه حول الوباء، وللحق لم يكن لي من انشغال وقتها، غير قراءة ما يُنشر من أفكار بصدد الوباء، والاستماع إلى ما ينقله الراديو من أخباره.
كان الأستاذ عبد الزهرة زكي مشغولاً بما يمكن للمثقف العربي والعراقي أن يقول عن الجائحة، وماذا يمكن أن يصدر عنه تحت الخطر، وهو انشغال شديد الأهمية عميق الأثر، بعد أن ضيع مثقفنا صوته الخاص في ملمّات كثيرة لصالح ما يفرضه الصوت العام من قيم وأيديولوجيات، فكيف له أن يحرر أقواله في مواجهة خطر يتربص بالحياة؟
لم تكن المحاورة سبيلا للتواصل بين صديقين فحسب، بل كانت شكلا اقترحته نظم الاتصال الراهنة للتفكير، وقد وجد المتحاوران نفسيهما على عتبات دستوبيا قديمة، سبقتهما البشرية بالوقوف عندها مع كل جائحة ووباء، لذا لم يكن من المستغرب أن يشاركهما الحوار جيوفاني بوكاشيو قادماً منالقرن الرابع عشر، أو وليم شكسبير قادماً من القرن السابع عشر، مثلما شاركهما جاك لندن قادماً من بواكير القرن العشرين، بحديثه عن وباء يحل على الأرض "مطلقاً الحياة البدائية، مكتسحاً ومدمراً كل ما صنعت يدا الانسان"، إنها المخاوف عينها تستعاد مرّة بعد مرّة، حيث "النوع البشري محكوم عليه بأن يغوص مرّة أخرى إلى ما هو أبعد من البدائية، قبل أن يبدأ في صعوده الدامي نحو الحضارة". 
لم يكن انشغال المتحاورين بذاتيهما يشغلهما عن الانسان وما يتهدده من أخطار، ولم تكن مخاوفهما على أسرتيهما تمنعهما من التفكير بالعالم وما يلوح حوله من أشباح، فقد كانت عزلتهما مناسبة للمشاركة والتعاطف، وكان الحوار مساحة مثلى لتحويل المحنة إلى منحة للحديث عن الثقافة والمدينة والحياة. وذلك الدرس الأهم من بين دروس العزلة، نذهب لعزلتنا الشخصية كي ننصت عميقاً لنبض قلب العالم، ونستمع لنشيد الحياة الخفي.
أكرر قول والت كيلي الذي ابتكر ملصقاً لمكافحة التلوث في العام1970، كتب فيه: لقد التقينا العدو وهو نحن!
تحت تهديد الفيروس ومع الحوار وتدوين اليوميات، عرفنا بأننا مازلنا أعداء أنفسنا، ولن ينجو العالم، حتى يستعيد الانسان صفاءه مع نفسه ومع أبناء جنسه، ويستعيد محبته للطبيعة وحنوّه عليها، ويدرك مسؤوليته عن سلامة الكوكب واستمرار الحياة عليه، عند هذه النقطة أسمح لنفسي أن أقول ما علمتني عزلة الوباء قوله، بأن الفيروس لم يأتنا من الخارج، بل انبثق من وحشية الانسان وعدوانيته اللتين تعدتا كل حدٍّ وتجاوزتا كل معيار.