فن بلا فكر

الصفحة الاخيرة 2021/03/02
...

سامر المشعل 
أغلب المشتغلين في مجال الموسيقى والغناء هم حرفيون يجيدون الغناء كمطربين وموسيقيين يعزفون بشكل جيد، يتخذون الموسيقى والغناء مهنة، من دون فكر أو فلسفة أو ثقافة عامة، تدعم توجههم في العطاء، هذا كان رد الموسيقي علي ابو شهد على عمودي السابق “امراض الوسط الفني”، والموزع الموسيقي ابو شهد، جمع ما بين الابداع الموسيقي الذي تجلى في العديد من المؤلفات الموسيقية والاغاني، وثقافة شخصية وفكر متقد جعله متفردا بعطائه الموسيقي.
لا بدّ أن نقف أمام هذا الرأي الجريء والصريح بشيء من التمعن والبحث، فاغلب فنانينا يتخذون من الفن مهنة للكسب، وعندما يشتهر مطرب بأغنية ساذجة لا تتجاوز الأربع دقائق أو ملحن يلمع اسمه، تنفتح امامه أبواب الشهرة، فيصبح مطلوبا في المطاعم الليلية والحفلات، تسرقه أجواء الليل والنساء ومغريات المال الشهرة. 
القليل من الذين يحققون الشهرة ويضرب الحظ معهم يفكرون في تنمية ذائقتهم وتوسيع ثقافتهم، ويسعون الى اجتراح صيغ جديدة في التعبير في مجال الموسيقى والغناء على شاكلة الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي بث في الأغنية العربية صيغا تجديدية هذبت من أسماعنا ونقلتنا الى فضاءات ملونة بالجمال، او على شاكلة بليغ حمدي الذي قدم حداثة لحنية كسرت القوالب القديمة في التلحين، وكانت أقرب الى روح الشباب والعصر، لكنها لم تخرج عن طابعها الشرقي. أو على شاكلة الرحابنة الذين قدموا أغنية للحياة، أو على شاكلة ناظم الغزالي، الذي استلهم من المقام العراقي، أغنية يسمعها الجمهور في كل حين، بعدما كان المقام يغنى على نطاق ضيق في بعض المقاهي والبيوتات والمناسبات. أو على شاكلة رائد جورج، الذي مزج بين الموسيقى الغربية والاغنية العراقية، فأضفى عليها نكهة جمالية مضافة .. الخ.
الفلسفة الحياتية للفنان وما يحمله من هم انساني ووطني ليس جانبا كماليا، لأنها لو تماهت مع ما يحمله الفنان من موهبة، من الممكن أن تعطي نتائج متقدمة في الابتكار والابداع.
ولعل السر في تقدم الاغنية العراقية في سبعينيات القرن الماضي، كانت تنطوي على فكر وهم انساني ووطني، فعندما استحكمت قبضة حزب البعث على السلطة، لم يعد بمقدور اليسار العراقي والمتمثل بالحزب الشيوعي أن يعبر عن افكاره الوطنية وهواجسه بشكل صريح وواضح، فوجد الشعراء في الاغنية متنفسا للتعبير عن همومهم الوطنية وانكساراتهم الانسانية، فمزجوا بين العشق للحبيبة والوطن، فنجد في الاغنية السبعينية غزلا للأرض والخصب وتموز ودجلة والفرح المؤجل، بصور شعرية اتخذت من المرأة محور مناجاتهم، لذلك تفردت الاغنية السبعينية كونها أغنية متأملة ومكتنزة بصورها الشعرية وابتكاراتها اللحنية.
لاسيما أن الساحة الفنية كانت متخمة باليسار العراقي مثل: ابو سرحان، مظفر النواب، زهير الدجيلي، عريان السيد خلف، كوكب حمزة، فؤاد سالم، جعفر حسن، سامي كمال، كاظم اسماعيل الكاطع وطالب غالي.. وغيرهم من مختلف الاختصاصات.