خصر النملة.. السريالي

ثقافة 2021/03/02
...

ابتهال بليبل
مع كلّ موسم تظهر العديد من التوجهات (الموضات-التقليعات) التي تهتم بجمال الأنثى، وتتحدى ولو جزئياً، القوالب النمطية الجنسانية المألوفة على الرغم من أن بعضها -أي الموضات والتوجهات- لا تكون خاضعة للأعراف الجمالية السائدة؛ لذا دائما تُحدِثُ صدمة عند المتلقي وأحد الأدلّة على ذلك ما يسمى بموضة (خصر النملة).   
شعبية هذه الموضة وضغطها الاشهاري دفعت بفتاة تعيش في ولاية كارولينا الشمالية تدعى (بيكسي) لإجراء عملية جراحية استمرت (7) ساعات لإزالة (6) أضلاع من قفصها الصدري، فقط للحصول على خصر بقياس (14) بوصة!.
إنّ موضة (خصر النملة) تبدو هنا أكثر بكثير من مجرد ارهاصات جمالية، فالأنثى التي ترى جمال (خصرها) واثارته تستدعي إزالة (6) أضلاع من قفصها الصدري.. أنثى استوعبت فكرة أن جسدها عبارة عن حتميات اجتماعية وبيولوجية بعيدة عن الذاتية، إذ البقاء الأبدي لهذه الحتميات مقابل اختفاء الجسد هو المقياس الاجتماعي. 
كما أن موضة (خصر النملة) التي حاولت أن تعالج ما يبدو للوهلة الأولى عيباً جمالياً في جسد الأنثى قد بشّرت بشكل غير مباشر لعودة (السريالية) التي سخّرت منذ ثلاثينيّات القرن الماضي الأحلام والأفكار والمشاعر غير المقيدة كجزء حيوي من العملية الإبداعية والفلسفية، وغيرت عوالم المسرح والتصميم والأزياء، لأن ما يحدث من تغييرات جسدية يثير تأملات «غير طبيعية» عن الموضة إذ تمتلك توجهين متعارضين يتجليان بوضوح في ثنائية: (الخيال والحقيقة).
الإعلان عن هذه الموضة بين الحين والآخر يعيد إلينا بالضرورة الاهتمام السريالي بالجسد الأنثوي، لكن ما الذي يربط بين السريالية وموضة: (خصر النملة)؟ وماهي العلائق التي تربطهما؟. 
إنّ العمليات التجميلية عادة تتجاهل القواعد الأنموذجية القارّة التي نبني عليها أفكارنا ومشاعرنا وتصوراتنا عن (الجسد المثال)، فعند خضوع الأنثى لهذه العملية تتشكّل داخلها فكرة مثالية، ومن ثمّ تعيد تأكيد الأدوار الاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر في طريقة تصوير الناس لنفسها، بما في ذلك على جسدها.. المسرح الذي تجري عليه أحداث التغيير الواقعية المرئية!. 
من المهم أن ندرك أن الخيال له قدرة هائلة على خلق الحقيقة وتجسيمها.. هو يتمكن من تشكيل أجسادنا بكثير من اللا واقعية؛ لذا فإن اللجوء إلى موضة (خصر النملة) يخلق هوية (خيالية حقيقية)، كما أن الاندماج المتناغم بين الحقيقي وغير الواقعي هو مؤشر دقيق على يقين الأنثى بأن جسدها هو الوحيد القادر على إظهارها كما يريدها الرجل (الناظر). ومع ذلك، فإن الظهور بهذا الشكل يدعم التبعية الجسدية والجنسية. 
وعند التركيز بشكل خاص على التبعية الجسدية يمكن أن نثبت أن (خصر النملة) يدور حول التحولات الجسدية والذاتية. إذ تذكرنا النظرية القانونية النسوية في أن مسوغات التبعية الجسدية التي تقوم على إطار نظري تعيد نزعة العنف ضد المرأة، بينما السريالية جاءت كوسيلة أدبية فنية لضرب الأنظمة الأبوية وكذلك لتحرير الجسد المكبل بمفاهيم التبعية والسيطرة.
العلاقة إذن شائكة معقدة ولكنها موجودة فبغضّ النظر عن الجسد السريالي في (خصر النملة) ومعارضته للنظرية النسوية، فهو هنا انعكاس لشعور داخلي يفترض أن الآخر المتلقي (الرجل أو الناظر) سيصاب بالدهشة، خاصة أن الخصر هو مكان الأذرع في الرقص والتقبيل ووو..، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار سُعار الحِميات والاشارات الاشهارية اليومية من الإعلام بالجسد غير المرغوب فيه هو لمن لا تمتلك خصرا، فكانت النتيجة اعترافا صريحاً بالقوالب النمطية الذكورية والتصورات الأبوية للأنوثة الموروثة.