الخروج من مصر

ثقافة 2021/03/04
...

لؤي حمزة عباس
تعدُّ كتابةُ السيرة أقرب أنواع الكتابة الأدبية إلى حياة صاحبها، خاصة إذا كانت (ذاتيةً) يتولى صاحب السيرة فيها مهمة تدوين وقائع حياته وسرد تجاربه، فيتجلّى صوته ويتكشف إحساسه بصدد ما يروي، والسيرة الذاتية كما يعرفها فيليب لوجون، في كتابه (السيرة الذاتية، الميثاق 
والتاريخ الأدبي) "قصة استعادية نثرية يروي فيها شخص حقيقي وجوده الخاص مركّزاً على حياته الفرديّة وعلى تكوين شخصيته بالخصوص"، ولا تنهض السيرة بما تسرد من وقائع وما تستعيد من تفاصيل فحسب، مهما بلغت مروياتها من الأهمية والحساسية والتنوع، بل بالكيفية التي تسرد فيها وقائعها وتستعيد تفاصيلها، فتتأسس (معرفة) السيرة بناءً على ما تعمل على استعادته وتدوينه من وقائع تشكل تجربة خاصة، لنكون، عندئذ، إزاء تجربتين، تجربة الحياة وتجربة كتابتها، تتضافران من أجل تشكيل خصوصية السيرة الذاتية وأهميتها بين الأنواع 
الكتابية.  
يقدم الناقد ومفكر ما بعد الحداثة إيهاب حسن سيرته بعنوان "الخروج من مصر، مشاهد ومجادلات من سيرة ذاتية" الصادرة عن دار العين، القاهرة 2018، بترجمة السيد إمام، مؤكداً، منذ التصدير، أن "ليس من اليسير علينا في عالمنا الراهن رؤية من أين يبدأ التاريخ، وتنتهي السيرة الذاتية" فالتاريخ، بوصفه مجالاً عاماً، يظل حاضراً، واضح الأثر، في كلِّ ما نسعى لاستعادته من أجل روايته، وللذاكرة دورها الحاسم في كتابة السيرة، ذاتية كانت أو موضوعية، والمشاهد المستعادة لن تكون سوى (مشاهد) ذهنية و(مجادلات) معرفية تحقق نوعاً من (الميتاسرد) في اللحظة التي تباشر السيرة فيها سرد 
تجاربها.
حافظت السيرة فيها على انكساراتها وتصدعاتها في تقديم منظور مؤلفها للسيرة الذاتية التي لن تكون"في حقيقتها الخيالية الأعمق، مجرد أسطورة، شأنها شأن الموت ذاته"، إنها الأسطورة الأكثر قدرة على النزول إلى الجراح الإنسانية البعيدة الغور التي "تكمن في صميم وجودنا"، هذه الجراح التي تكون مسؤولة، إلى حد بعيد، عن إنتاج السيرة، فـ(الخروج من مصر) يتشكل، في جوهره، من مجموع (خروجات)، في القلب منها خروج إيهاب حسن فتياً من إطار الأسرة ومسرّاتها الرتيبة متوجّهاً إلى الولايات المتحدة الأميركية في أغسطس عام 1946، بحثاً عن ميلاد جديد غير موثوق فيه، لتكون الحياة المروية، مع السيرة ومن خلالها، أكثر من وقائع أثيرة مستعادة، إنها مناسبة للمراجعة والتأمل ومساحة للتفكير بما تعنيه السيرة فعلاً كتابياً يتماهى مع غيره من أفعال الحياة. إن كتابة السيرة تنطوي، بتصوّر حسن، على خيانه من نوع ما، خيانة المتخيل للواقعي، خيانة التذكّر للوقائع الماضية، لتنتج زماناً "خارج الزمان، خالياً من القصد، يتعذر استعادته إلا كفضاء مسحور، الجنة الخضراء التي يحملها كلُّ طفل بداخله، ربما ليسكنها مرة أخرى فقط في لحظة الموت".