غداً بابا الفاتيكان يحجُّ إلى أرض الأنبياء

العراق 2021/03/04
...

  بغداد: محمد الأنصاري    روما: علي النعيمي
 
تستعد البلاد غداً الجمعة، ولأول مرة في تاريخها، لاستقبال الحَبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وستجرى مراسيم استقبال ضيف العراق الكبير في مطار بغداد الدولي وفي قصر بغداد بحضور الرئاسات الثلاث وفق جدول الزيارة المعلن، وتشمل الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام زيارة النجف الأشرف ولقاء المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، كما سيقوم البابا بزيارة مدينة أور الأثرية في الناصرية مكان ولادة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، وكذلك الكنائس بمحافظة نينوى. البابا فرنسيس أكد أمس الأربعاء، أنَّه ذاهب إلى العراق، لأنه «لا يمكن خذل الناس مرة ثانية»، داعياً عقب تعليمه الأسبوعي، المؤمنين إلى الصلاة من أجل زيارته الرسولية إلى العراق.

ونقل موقع “فاتيكان نيوز” الرسمي، عن البابا قوله: إنه “سيتوجه (يوم الجمعة) إلى العراق في حج لثلاثة أيام”، مؤكدا أنه “كان يرغب منذ فترة في لقاء شعب العراق الذي عانى كثيراً، ولقاء الكنيسة في أرض إبراهيم”، وتابع أنه “سيقوم، ومع قادة دينيين آخرين، بخطوة أخرى إلى الأمام نحو الأخوَّة بين المؤمنين”.
وطلب قداسته من المؤمنين “مرافقة هذه الزيارة الرسولية بالصلاة كي تتم بأفضل شكل وتأتي بالثمار المرجوة”، وقال: إن “الشعب العراقي ينتظرنا، وكان ينتظر القديس يوحنا بولس الثاني الذي مُنع من التوجه إلى هناك”، ثم ختم البابا فرنسيس: “لا يمكن خذل شعب لمرة ثانية، فلنُصلِّ كي تتم هذه الزيارة بشكل جيد”، في إشارة إلى منع بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني من زيارة العراق سنة 2000 من قبل رئيس النظام السابق.                                                        
إلى ذلك، أكد الكاردينال بييترو بارولين أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، أن “البابا فرنسيس سيحمل إلى العراق، الرجاء والحوار وإعادة البناء”، مبيناً أن “البابا يريد أن يطلق رسالة نحو المستقبل”.
وقال بارولين في مقابلة مع موقع “فاتيكان نيوز”: إن “العراق ينتظر البابا فرنسيس الذي يستأنف السفر ويختار أن يحمل التعزية لشعب عانى في السنوات الأخيرة بسبب الاضطهاد والحرب والعنف الذي ارتكبته (داعش)، ولكي يواصل أيضا في بناء طريق الأخوة وجسر الحوار الكبير”.
وأضاف، “لأول مرة في التاريخ سيزور بابا الفاتيكان العراق، البلد الذي ولد فيه النبي إبراهيم، وحيث تقيم إحدى أقدم الجماعات المسيحية، والذي لا تزال فيه جروح الحرب مرئيّة ويواجه آفات الفقر والإرهاب والآن فيروس كورونا”، مؤكداً “أهمية هذه الزيارة، حيث يسلّط البابا الضوء على الضرورة الملحة للتعاون من أجل إعادة بناء البلاد وتضميد جميع الجراح، من أجل بدء مرحلة جديدة”.
وتابع الكاردينال بارولين: “يريد البابا فرنسيس أن يُظهر اهتماماً خاصاً، وقرباً خاصاً من هذا البلد، من العراق، إنَّ هدف الزيارة ومعناها؛ هو إظهار قرب الأب الأقدس من العراق والعراقيين؛ وإطلاق رسالة مهمة (علينا أن نتعاون، وعلينا أن نجتمع معا من أجل إعادة بناء البلاد، وتضميد جميع هذه الجراح، وبدء مرحلة جديدة)”.
وبشأن كلمات الكاردينال بارولين التي أطلقها أثناء زيارة العراق قبل 3 سنين خلت بأن (المسيحيين والمسلمين مدعوون لكي يكونوا نورا في الظلمات ويبدِّدوها) ومدى علاقتها بشعار زيارة البابا فرنسيس (أنتم جميعاً إخوة)، قال بارولين: “أعتقد أنّ هذه الكلمات تحتفظ بأهميتها أيضاً، لاسيما أنها تتناغم مع شعار زيارة البابا إلى العراق،  والآن، تولد هذه الأخوة من حقيقة أننا أبناء لأب واحد، كما أنها تشير أيضا إلى النبي إبراهيم الذي ولد في العراق، ومن هناك بدأت رحلته بعد دعوة الرب له، إبراهيم الذي يرجع إليه المسيحيون والمسلمون، ومن ثم يجب أن تُترجم أيضاً إلى التزام مشترك”. وأضاف الكاردينال بارولين، “يكمن محور هذه الزيارة إلى العراق في حقيقة أن البابا يريد أن يُطلق رسالة نحو المستقبل، وهناك مواقف ووقائع تعيش من معاناة معينة، بصرف النظر عن الأماكن التي كان فيها اضطهاد واستشهاد، والكنيسة نفسها تعيش حالة صعبة، والحوار بين الأديان يحتاج إلى تعزيز، ومع ذلك، يمكن التغلب على الصعوبات، إذا كان هناك حسن النية والالتزام من جانب الجميع، للالتقاء والعمل معاً من أجل إعادة البناء”، وتابع: “أعتقد أن الرسالة، المحور، ستكون كالتالي (لا نسمحنَّ لجميع ما حدث بأن يُعرقلنا، مهما كان سلبيا وقد كان سلبيا جدّا  ولكن لنتطلع إلى الأمام برجاء وشجاعة من أجل إعادة بناء واقع العراق هذا)”.
وبخصوص لقاء البابا فرنسيس مع سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني كعمود آخر لجسر الأخوّة، قال بارولين: “نعم، أعتقد ذلك بالتأكيد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السيد السيستاني هو أحد أهم الشخصيات في العالم الشيعي؛ مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن السيد السيستاني قد تحدث دائماً لصالح التعايش السلمي داخل العراق، قائلاً إن (جميع المجموعات العرقية والجماعات الدينية هي جزء من البلاد)، وهذا أمر مهم جداً لأنه يسير في نفس الاتجاه والمعنى لبناء هذه الأخوة بين المسيحيين والمسلمين، والتي ينبغي أن تميز البلاد، لذا فهي حقا لحظة مهمة وأعتقد أنها ستكون بالتأكيد إحدى أهم اللحظات في زيارة البابا للعراق”.
وبشأن أوضاع المسيحيين العراقيين، قال بارولين: “من المؤكد أن الكنيسة -مسيحيين وكاثوليك- في العراق ينتظرون البابا بشغف كبير، وهم بالتأكيد بحاجة إلى التشجيع على عيش دعوتهم المسيحية داخل هذا الواقع الصعب في العراق، وأقول إنها نوعا ما دعوة داخل الدعوة المسيحية، دعوة مسيحيي الشرق الأوسط، لأن يعيشوا في واقعهم، وبيئتهم، وبلدانهم، وبالتالي، من المؤكد أن البابا سيشجع هذه الكنيسة (في العراق) لكي تكون شجاعة وقادرة على الشهادة، كما أنه سيوجه لها دعوة لكي تبقى في أرضها وتقدّم شهادة للحضور؛ فقد قلنا مرات عديدة أنه بدون المسيحيين لن يكون الشرق الأوسط كذلك».
أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان أجاب عن سؤال بشأن كيفية بناء الاستقرار والحوار والتعايش في العراق بعد سنوات عديدة من الدمار والعنف، لاسيما أن الحكومة العراقية قد أشادت بهذه الزيارة واصفةً إياها بأنها «رسالة سلام»، وقال بارولين: إنّه «تحدٍ كبيرٍ، تحاول الحكومة والمجتمع بأسره بالطبع الرد عليه، لنعد إلى ما قلناه، أي إلى الوحدة، نحن بحاجة للقاء والتعاون، ولكي نتعاون ونبني هذه الوحدة، هناك بالتأكيد حاجة للمغفرة والمصالحة، علينا أن نتغلب على الماضي، ونتطلع إلى الأمام بهذا المعنى الجديد والإيجابي».
وأضاف أنه «في الوقت عينه، هناك أيضا إجراءات يجب اتخاذها في العراق، على سبيل المثال، إجراءات ضد الطائفية، التي للأسف لا تزال تميز قطاعات كبيرة من المجتمع، وضد الفساد وعدم المساواة والتمييز، لكي يكون لكل فرد مكانه ويشعر كل فرد بأنه مواطن في هذا البلد (العراق)، يتمتّع بالحقوق عينها والواجبات عينها والالتزام عينه والمسؤولية للمساعدة في بنائه، يبدو لي أن هذه هي الطرق الرئيسة لمحاولة إعادة بناء البلاد».
وختم الكاردينال بييترو بارولين أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان حديثه مجيبا عن سؤال بشأن أمنيته لهذه الزيارة، وقال: “أتمنى أن تشكل هذه اللحظة حقاً، وحضور الأب الأقدس الذي طال انتظاره، لحظة ولادة جديدة، ولادة مادية وولادة روحية للشعب العراقي، وأن يكون لها أيضا تأثير في المنطقة بأسرها التي تحتاج إلى أمثلة جيدة، وأن تتمَّ تحت شعار الأخوَّة: (أنتم جميعا إخوة)، هو أيضا الشعار لزيارة البابا الرسولية هذه”.
بابا الفاتيكان السابق بندكتس السادس عشر، أعرب من جانبه في تصريحات صحفية، عن قناعته بالأهمية الكبيرة لزيارة البابا فرنيسس إلى العراق، مشيراً إلى أنها “تأتي في لحظة صعبة سواء لأسباب أمنية أو بسبب وباء كوفيد 19، هذا إلى جانب الوضع غير المستقر في العراق”، وأكد بندكتس السادس عشر مرافقته البابا فرنسيس بـ”الصلاة”.
في غضون ذلك، رحب عدد من المواطنين الإيطاليين بالزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان فرنسيس الى العراق التي ستبدأ غداً الجمعة، مؤكدين أن تواجد الحبر الأعظم في أرض الرافدين ومنبع الحضارات والديانات، تعكس مكانة هذا البلد العظيم، تاريخياً ودينياً وجغرافياً. 
أول المتحدثين الى مراسل “الصباح” في روما، كانت السيدة دانييلا داندريا التي وصفت زيارة البابا إلى العراق بـ”الحدث المهم خلال هذه السنة، كونه تحدى الظروف الصحية والأمنية والمخاوف من جائحة كورونا”، وأضافت قائلة: “تفاجأ الايطاليون جميعاً بالإعلان عن موعد زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، وعندما انتشر الخبر في الصحف الالكترونية والمحطات الايطالية انتظرنا أول شيء ردة فعل الحكومة العراقية التي أسعدتنا كثيراً بالموافقة على الزيارة، والتأهب العالي لها بغية إنجاح هذه الرحلة التاريخية الى أرض سيدنا إبراهيم الخليل في مهبط الإيمان والديانات”.
وأردفت قائلة: “عندما بدأت قنواتنا الايطالية على غرار Rai News 24 وRAI ببث التقارير من بغداد والموصل والنجف، شاهدنا حفاوة العراقيين الكبيرة تبدو في عيونهم والسعادة تغمر محياهم، وأجمل شيء أن إعلامنا الايطالي كان يرصد تحضيرات الجانب الحكومي وردود أفعال المواطنين العفوية ومدى سعادتهم بقدوم راعي وكبير الكنيسة الكاثوليكية الى بلادهم”.
من جانبه، عبر جيراردو كوفيللو “عن سعادته الكبيرة للزيارة البابوية الى مدن العراق المختلفة، التي سوف ترسل رسائل سامية بشأن قيم الإنسانية والتعايش المتحضر بين الديانات السماوية، وستكون نافذة مشرعة في طريق الحوار بين الأديان بلغة المنطق والاحترام”.
بدورها، أكدت ايسابيلا كونتي، أن “زيارة البابا الى العراق الذي خص هذا البلد بالكثير من الصلوات ودعوات السلام في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان لما مر به من تحديات وظروف قاهرة، ستسهم في ارتفاع مستوى الوعي لدى الشباب الحالي الذين يمثلون القوى البشرية المستقبلية للعراق، وسيعزز فيهم حب الانتماء لبلدهم العظيم العراق وأثره في إشاعة روح السلام والتآخي الاجتماعي بين الجميع”.