الجسد الأُنثوي والنظرة الذكورية

ثقافة 2021/03/15
...

 د. نضال السلمان

 
 
انتهجت المرأة فعل الكتابة بعدها وسيلة لفهم العالم حولها، واتخذت وسائل متعددة لإثبات تفردها المعرفي وخصوصيتها، وأشهرها في الكتابة بالجسد، الذي يعد فعلاً معرفيًا ارتادته المرأة لفهم ماضيها وعالمها الجديد، تعبيرا عن واقعها الفعلي الذي يهتم ثيمة الجسد، فلا يمكن للكتابة تجاوزه؛ لأنه كائن واقعي تتمركز كل الاشياء حوله، وهذا يزجها في مأزق الكتابة في ظل واقع اجتماعي، جعل الجسد من ضمن التابوات التي لا يمكن اختراقها، وإن حدث ذلك فان الكتابة تتعرض لمساءلة اخلاقية ولنقد لاذع، لاسيما من المجتمع 
الذكوري .
تباينت "النظرة إلى الجسد بين التقديس حد التأليه، وبين التدنيس حد المسخ، والمرأة عبر تاريخها الطويل لم تكن إلا ضحية الثقافة الذكورية ورهينةالتصورات الكهنوتية المتسلطة، لم تحظ بمكانة مرموقة الا في مرحلة المجتمع الأمومي الموغل في القدم، ثم فقدت هذا الموقع لتتدنى منزلتها إلى مجرد جسد هو ملكية جماعية أو فردية للرجل، وبتحويل الأسطورة إلى ايديولوجيا موجهة توجيهًا ذكوريًا ثم تغريب هذا الجسد، وأضحى الحديث عن الجسد الأنثوي.. والجنس من أكبر التابوهات في المجتمعات الحديثة "
أما مفهوم الجسد في الثقافة العربية الحديثة فقد ظل " حبيس النص الفقهي التشريعي منه والسجالي ولم يجد مرتعًا لبعض من حرية التفكير والتصور إلا في النص التخييلي شعرًا كان أو سردًا أو مسرحًا، وبين صراحة النص الفقهي والحرية الممكنة للنص الأدبي يصعب الحديث في ثقافتنا هذه عن تصور فعلي للجسد من حيث هو كيان له استقلاله الذاتي، بل إن المصنفات المخصصة له نادرة ولا تتجاوز أصابع اليد، أما تلك التي تلامسه بهذا القدر أو ذاك، فإنها تحصره في وظائفه البيولوجية أو السلوكية  علاقته بالروح أو الوظيفة الجنسية، إنَّ الجسد ظل يعيش على تخوم الفكر والتفكير، تتدخل في ذلك احيانًا عوامل ذات صبغة ايديولوجية محضة ترتبط إلى هذا الحد أو ذاك بتصورات .. روحانية أو بمنزع تحريري مغرق في الآنية والتجريد".
اتجه النقد النسوي نحو تأكيد "خصوصية الأدب النسوي بعده تمثيلاً لعالم المرأة، وقد بين أنه استمدت شرعيتها من خصوصية النوع الانساني للمرأة، ومن التنميط الثقافي لها، ومن طبيعة جسدها ؛ لأنها تنتظم في علاقات ثقافية ونفسية مع العالم من جهة، ومع ذاتها من جهة أخرى، وهي علاقات بمقدار ما كانت في الاصل طبيعية، فإنها بفعل الاكراهات التي مارستها الثقافة الذكورية أصبحت مشوهة، لأن المرأة اختزلت إلى مكون هامشي، وصار جسدها موضوعًا لتنازع ديني واجتماعي واقتصادي وثقافي".
 إنّ المحتوى الجسدي للفعل البشري ووضعيته وسياقه ليست نتاج قواعد مستنبطة أو مضامين ثقافية أو رمزية، إنها بالأحرى نتاج احتياجات جسدية يشكلها الفاعل حول حركته أو اختياره، أي أنها وليدة ظاهرة التجربة الانسانية من فرادتها وخصوصيتها وليست نتاج باطن هذه التجربة من اعراف أو رموز أو تصورات، وأنَّ شعور المرأة "بالتميز المطلق على أنها جسد يجتذب اهتمام الرجال سيؤدي إلى هيمنة فكرة واحدة، وهي اختزال الأُنوثة إلى تكوين جسدي جميل لأبعاد إنسانية له"، بمعنى هدر قيمة المرأة إنسانيا واجتماعيا وثقافيا.  
ظهور ثنائية الرجل والمرأة (الذكر والانثى) يعود إلى ثقافة مجتمع بلورت هذه الفكرة ورسختها في كون الجسد الأُنثوي، وهذا بالطبع نابع من ثقافة ذكورية، في الوقت الذي يتمتع فيه الرجل بكامل حريته وحقوقه، فجسد الرجل بحسب قول أغلب الناقدات يُصور على أنه متكامل لا يشوبه أي نقص على العكس من جسد المرأة الذي كان محل إشكالية كبيرة على مدى عصور عدة .