أثـــر البـابـــا

ثقافة 2021/03/17
...

صلاح حسن السيلاوي
لا يصنع المبدعون وحدهم أثراً ثقافياً في حياة المجتمعات، فثمة أحداث تغيّر في اتجاهات الخطاب الثقافي، ومستوياته النوعية والكمية، كالحروب والعواصف السياسية والاقتصادية التي تهبُّ فتقتلع نظماً بمفاهيمها وأنساقها المعرفية التي تدعم وجودها. هنالك أحداث دينية وَسَمتْ دولاً ومناطق بثقافات ترتبط بتلك الأحداث، ومنها مثلاً ظهور النبي محمد (ص) في مكة الذي جعل منها مركزاً روحياً للمسلمين، وصنع أثراً مختلفاً في ثقافة سكان شبه الجزيرة العربية وما يجاورها، صنع أثراً في اللغة والمفاهيم وما ينتج عن كل ذلك في حياة المجتمع.  ومن تلك الأحداث مقتل الحسين (ع) الذي ترك في حياة العراقيين قصصاً وأدباً يجاور اهتمامهم بهذه الحادثة وجعل من كربلاء "فاتيكان" للشيعة في العالم. زيارة البابا تحفز أجنحة كل هذه الأفكار لترفرف بتساؤلاتها حول ما تركته هذه الزيارة في نفوس العراقيين وثقافتهم. الحبر الأعظم لفت انتباه الكرة الأرضية إلى بيت إبراهيم (ع) في مدينة أور، وحرك صوراً جديدةً في أذهان الناس عن هذه المدينة العظيمة، صور تسبح في فضاء المعرفة وتتعانق مع خيال المتعلمين والمتسائلين عن حضارات العراق القديمة. 
أجزم أن حج البابا لبيت إبراهيم (ع) فتح باباً واسعا لحج كثير من المسيحيين، هذا يعني أننا بحاجة إلى انتباه الدولة لما تمتلك حضارتنا من أثر في ضمائر الشعوب وعلاقة ذلك بتاريخهم وأديانهم ورموزهم وكتبهم السماوية. من هنا أتساءل، هل سيعمل مسؤولونا على دعم هذا الحراك الإنساني بمستوى الحدث الذي صنع تقارباً روحياً بين الأديان انطلاقاً من أور، التي نفضت خطوات البابا عنها غبار القرون لتلمع في عيون سكان الأرض وعشاق الحضارات وصناع الكلمة والباحثين عن الحقائق. زيارة البابا مفتتح حقيقي لحوارٍ عالمي عن ثقافات الأديان في أور أو ذي قار، وعلى وزارة الثقافة العراقية أن تجعل من تاريخ هذه الزيارة موسماً ثقافياً للبحث في علاقة الحضارة السومرية بتاريخ الإنسانية وإصدار كتب سنوية عن ذلك مع ترجمتها للغات متعددة، أما النخب الثقافية فجزء من مسؤولياتها برأيي أن تسعى إلى جعل أور مركزاً ثقافياً للتعريف بآثار بلادنا ولفت انتباه العالم لها. 
هل ستفكر الدولة باستثمار أثر هذه الزيارة لصناعة واقع اقتصادي مرتكز على السياحة الآثارية والدينية؟. ماذا عن السياسة العراقية التي لا تملك خطاباً واضحاً، هل ستعمل على الانتفاع مما نتج عن هذه الزيارة على المدى البعيد، لا سيما ما يمكن أن ينتفع منه العراقيون في دعم تنوعهم والإيمان بضرورة وجود اختلافهم الديني والمذهبي والقومي الذي وجد معهم منذ آلاف السنين. 
هل سيكون لاتحاد الأدباء ونقابتي الفنانين والصحفيين دور مهم في الإسهام بصناعة رؤية جديدة للآثار العراقية وأهميتها في البلاد من خلال مهرجانات ومؤتمرات وأعمال فنية وبرامج إعلامية؟.  هل سيجعل ساسة البلاد من أثر الزيارة محطة ينظرون من خلالها إلى ما قدموه لشعبهم، وما تركوه في نفوسهم وما صنعوه على ملامح مدنهم، وعلى صور أبنائهم الحزينة المعلقة على أعمدة الطرق وما أنجزوه من خدمات لبلادهم؟.