هل سيغيّر الفيروس التاجي التراكيب الكيميائية للأعمال الفنّية إلى الأبد؟

ثقافة 2021/03/19
...

  فرانشيسكا كاساديو
  ترجمة: جمال جمعة
قد تكون عمليات الإغلاق المرتبطة بالفيروس التاجي التي تواجهها المتاحف حاليًا مؤقتة، لكن تأثير الفيروس على الأعمال الفنية سيكون من المؤكد دائميًّا. بينما تقوم المتاحف بتحديد أفضل الطرق لتعقيم المعارض الفنية، يبحث القائمون على ترميم الأعمال الفنية عن طرق آمنة للحفاظ على التحف الفنية نظيفة من الفيروسات والمواد الكيمياوية المعقمة على حد سواء، مما يدع الكثيرين يتساءلون (ويقلقون) بشأن التأثير المحتمل لمحاليل التطهير على عدد لا يحصى من القطع الفنية. 
من دون نهج يستند على العلم، هل يمكن للفيروس التاجي المستجد أن يغّير للأبد مركبّات الأعمال الفنية التي نحبها أكثر من غيرها؟ الأمر مؤكد تقريباً، سواء بطرق مرئية أو غير مرئية.
أنا رجل علم، ومرضاي أعمال فنية. في آذار (مارس)، في آخر يوم عمل لي في موقع بمؤسسة شيكاغو للفنون، وجدت نفسي أتساءل: كيف يمكنني الحفاظ على الأعمال الفنية التي في عهدتي سليمة بينما أجعل الناس يشعرون بالأمان؟ بالاطلاع على لائحة وكالة حماية البيئة للمنتجات المضادة للميكروبات الموصي بها لتعقيم الأسطح، بحثت عن شيء من شأنه أن يجعل البيئة الفنية آمنة للبشر مع عدم التسبب أيضًا في ضرر يتعذر إصلاحه على الفن. منذ بداية إغلاق مؤسسة الفنون، كنا نستعد لليوم الذي سيُفتتح فيه المتحف مرة أخرى، والذي سيكون بالتأكيد بمساحة متغيرة حيث سيرتدي حرّاس المعرض أدوات الوقاية الشخصية مع تعقيم متكرّر لمقابض الأبواب والأسيجة والحمّامات والمساطب، وغيرها من المناطق كثيرة اللمس.
بصراحة، بدت المهمة، كما يُضرب المثل، إبرة في كومة قش. المركّبات الأكثر شيوعًا في المطهِّرات هي منتجات التبييض (القاصر) والأكسدة التي تسبب ضررًا دائميًّا للعديد من القطع الفنية. المطهّرات المعتمدة على الكحول يمكن استخدامها بتركيزات منخفضة على مناديل للمسح حول (وليس مطلقًا فوق) الأعمال الفنية، لكن هذه كانت نافدة سلفًا من المخزون. بعد شطب أكثر من 80 عنصرًا، لفت انتباهي منتج يعتمد على الثيمول فتنفّستُ الصعداء.
يدخل الثيمول في محتويات العديد من منتجات التنظيف التي يتم تسويقها للمستهلكين على أنها صديقة للبيئة، وهو زيت أساسي موجود في العديد من نباتات عائلة الزعتر، وهو عشب متوسطي موجود في مخزن مؤونتي، وقد تبين أيضًا أن له نشاطًا فعالاً مضادًا للميكروبات والفيروسات. قادني تقييم سريع لصيغته الكيميائية إلى استنتاج أنه إذا ترسبت بضع قطيرات من الثيمول عن طريق الخطأ فوق الأعمال الفنية كجزء من عملية التعقيم في صالات العرض الخاصة بنا للحفاظ على سلامة الناس، فلن تتأثر الأعمال الفنية بشكل سلبيّ.
فجأة، واجهتُ مأزقًا غريبًا: ما الذي سيفكر فيه علماء المتاحف، بعد 100 عام من الآن، عندما يجدون الثيمول، الذي يعمل كبصمة من عصر الفيروس التاجي، على أعظم الأعمال الفنية في القرون القليلة الماضية؟ فكّرت بـ "الحياة الليلية،1943" لأرشيبالد موتلي، وهي صورة نابضة بالحياة لكباريه مزدحم في الجزء الجنوبي من شيكاغو. فكّرت كيف أن عمل موتلي كان شيئًا من المستبعد اختباره لفترة من الوقت، بفضل التباعد الاجتماعي، وكيف أن التركيب الكيميائي في جنفاص لوحاته يمكن أن يتغير إلى الأبد بواسطة الثيمول الذي أمكنني استخدامه في المعرض حيث عُلِّق، للحفاظ على سلامته.
أشك في أن العديد من زوار المتحف يشاركونني قلقي. لا ريب في أن هذه الجائحة العالمية رفعت من مستوى الوعي العام بشأن أهمية العِلم، حيث يبدو أن اختبارات الأجسام المضادة والنماذج الوبائية، والبحث العالمي عن لقاح، تهيمن على محادثاتنا الافتراضية، من الصباح إلى الليل. وهذا من مصلحتنا جميعًا لأن شيئًا غير مرئيّ يهدد البشرية. لكن يتوجب علينا البدء في الأخذ بعين الاعتبار كيفية تأثير شيء غير مرئي، مثل الفيروس، على الفن أيضًا.
الفن والمرض بينهما علاقة حميمة. لنأخذ على سبيل المثال لوحة فان كوخ "غرفة النوم، 1889"، وهي صورة للعزلة الذاتية التي تبدو وكأنها ذات علاقة بعصر الفيروس التاجي هذا. رسم فان كوخ هذا العمل بينما كان يتعافى من الإرهاق العصبي في مدينة آرل (جنوب فرنسا)، لكن علاقة هذا العمل الفني بالمرض لا تنتهي عند هذا الحد، إنه يخفي مرضًا آخر في طبقات طلائه. فتحت سطح "غرفة النوم" تحدث آلاف التفاعلات الكيمياوية كل يوم، ومثل الفيروسات، فإنها تنتشر وتتكاثر فوق الجنفاص، مما يؤدي في النهاية إلى حدوث طاعون من خسائر الطلاء المجهريّة والبثور.
قبل سنوات، أخذنا عيّنات صغيرة من الطلاء من هذا العمل الأيقوني في مجموعتنا الفنية، وقمنا بتضمينها في راتينج نقي (مادة صمغية)، وقمنا بتقطيع الراتينج مثل طبقات الكعكة. عندما تمّ تكبير الصور آلاف المرات، رأينا تشكيلات مستديرة تشبه الهندباء تستحضر الصور المنتشرة على نطاق واسع لفيروس آخر أصبح مألوفًا لنا الآن جميعًا بشكل مؤلم. علماء المتاحف يعملون مع أخصائيي الترميم لإيجاد علاج لمحنة "غرفة النوم". (لحسن الحظ، هذا المرض ليس مميتًا تمامًا مثل ذلك المرض الذي يدمر كوكبنا، ولو أنه يشوّه قليلاً).
ستستمر "غرفة نوم" فان كوخ في إبهار، وتحفيز، وإلهام أجيال من الزوار في القرون القادمة، والعديد منهم لن يروا المرض الكامن تحت سطح اللوحة التي نحاول صيانتها. لكنني لن أنسى سريعًا البثور وفقدان الطلاء لأن في مختبري داخل المتحف غالبًا ما نجلب غير المرئي إلى مستوى يمكن فهمه من قبل الناس عبر التصوير العلمي. كل يوم أتساءل عن كيفية توسيع مخيّلتي للمساعدة في مواجهة أسئلة مثل: ماذا لو استخدمنا تركيبة نباتية للتنظيف حوالي الأعمال الفنية لجعل أماكننا آمنة لعودة الناس؟ ما الذي سيتوصل إليه خبراء الترميم بعد 100 عام من الآن عندما تصبح هذه المركّبات جزءًا لا يتجزأ من التركيب الكيميائي للأعمال؟
الاستعدادات المتأنية خلف الكواليس تساعد في جعل ذلك ممكنًا: قريبًا جدًّا ستكون المتاحف ملاذات صحّية للتعافي الجماعي، ولإدراك موقعنا في التاريخ، وتعلّم مشاركة الأماكن العامة مرّة أخرى.
ARTnews