بسام فرج.. الفنان الذي وقف ضد الحكومات

ثقافة 2021/03/22
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
بعد أن فقدنا عددا كبيراً من مبدعينا العراقيين على إثر جائحة كورونا خلال العام الماضي وبداية هذا العام، رحل ليلة السبت الماضي فنان الكاريكاتير العراقي الشهير بسّام فرج عن عمر يناهز الـ78 على إثر مضاعفات هذا 
الفيروس.
فرج المولود في محلة عكد النصارى في بغداد العام 1943، بدأ مسيرته مع الكاريكاتير منذ ستينيات القرن الماضي، وكان من أشهر رسامي مجلتي المزمار ومجلتي، بعد أن بدأ عمله في العام 1964 في مجلة 
القنديل.
يشير بسّام فرج في حديث له خلال احتفاء له أقيم بلندن، إلى أنه يحاول إيصال فكرة بسيطة، وأن رسام الكاريكاتير يجب أن يعبّر عن طموحات الناس في بلادنا، مبيناً أن معاناة اليوم أصبحت مضاعفة، ورسام الكاريكاتير يعاني من ضغوطات من الحكومات المتعاقبة، لأن المسؤول يخشاه، وليس هناك من مسؤول رسمته، لم يفتعل مشكلة معه شخصياً، و»أغلب زملائي الرسامين في بلدنا يعانون، وأضطر الكثير منهم إلى الهجرة، لكثرة التقييدات عليهم، وجرى اعتداء على الفنان سلمان عبد الذي أقام معرضاً، فدخلوا المعرض عنوة، مما أضطر بعض الناس إلى تهريبه من الباب الخلفي، لكن المهاجمين كسروا لوحات المعرض، بعد فشلهم باعتقاله، ورسام آخر، الراحل أحمد الربيعي، هجموا على الصحيفة  التي يعمل فيها بالسلاح وأرادوا قتله لأنّه رسم كاريكاتيراً لشخصية دينية، مما اضطره للهرب إلى شمالي العراق وبسبب معاناته من مرض القلب وافاه الأجل هناك.
وفي حديثه عنه، قال الفنان فيصل لعيبي بأنه عمل مع فرج منذ الستينيات، فهو علامة فارقة بالرسم الساخر العراقي، وهذا الفن له امتدادات منذ الثلاثينيات والعشرينيات من القرن 
الماضي.
ويضع لعيبي الفنان بسام فرج بمصاف فنانين كبار، قدّموا أعمالاً مهمة على مدى رسوم الكاريكاتير، مثل سعاد سليم شقيق جواد سليم، ومصطفى طبرة، وفائق حسن، وعطا صبري، وحافظ الدروبي، الذين استعانوا بالرسم الساخر في صحيفة “حبزبوز”، ليأتي بعدهم الرسام الساخر غازي الرسام، وغازي عبدالله، وصاحب المجموعة التي رسم فيها الأمثال والأغاني الشعبية بأسلوب شيق ورائع جداً.. وبسام فرج جاء بمنعطف وصل فيه الرسم الساخر في العراق حدّه.. هناك خطوة يجب أن تحدث، فكان بسام هو رائدها وبطلها ومنفّذها حقاً، فأعماله تتمثل بالرسم الساخر العراقي
الحديث.
أما عن رسوم بسام فرج، فقال لعيبي: رسوم بسام امتازت ببساطة في الخطوط، والتوسع في المساحات، والاختلاف في الألوان، وممارسة تقنيات تواكب التطور التقني، كما تميّزت بالسخرية الجادة، لأنَّ صاحبها فنان صاحب موقف وقضية وناقد اجتماعي جاد ويسبر أغوار المشكلة السياسية والثقافية والاجتماعية، كما في «معالجة قرارات (والي) بغداد السابق إبان فترة النظام السابق في قمع حريات الناس الشخصية مثل صبغ سيقان الفتيات وقص شعور الشباب، انتقدها بسام برسوم ساخرة، برغم قوة النظام وتسلطه وعنفه، أتذكّر أنه رسم شرطياً يمسك فرشاة صبغ عريضة ويحدّق بسيقان امرأة تمر أمامه، فكان ذلك الرسم رصاصة صوبها بسام إلى تلك القرارات 
القرقوشية».
أصدر فرج، فضلاً عن معارضه الكثيرة، كتاباً مهماً عن فن الكاريكاتير، وتجربته الطويلة فيه، أسماه (سيرة الاحتجاج)، وعن هذا الكتاب يقول الفنان والناقد موسى الخميسي، إن الفنان فرج قدّم للرمز صورة الفكاهة، لحمل الناس إلى رؤية الأشياء التي تسير على رؤوسها بالمقلوب، في واقع يمشي الجميع على
قدميه.
واتسمت رسومه بالتبسيط في الفكرة والخط، لموضوعات هي بالأساس غير مبسطة للحد الذي تنتزع هذه الرسوم لتعكس الأشياء والظواهر المحيطة بسهولة، وكأنها جزء من موجودات التعامل اليومي في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية، أنها تعتمد اعتماداً كبيراً على نقل الوعي بشرارات ذكية تخرج من الصورة وتلامس ذهن المشاهد، من دون تعليمية، ومن دون مخادعة، وإنّما في سعي، يحمل وعياً واضحاً يلامس، وينحاز إلى محبة الشعب العامل، ليصل إلى العمق ليجعله يطفح على سطح واقع أي مجتمع، غني أو فقير، ديمقراطي أو 
ديكتاتوري.
معارك الأحزاب السياسية المستمرة، وفضائحها المدمرة، تمشي في طابور من أجل أن تدخل إحدى الغسلات الكبيرة والتي كتب عليها «غسل 
الضمير». 
إنّها تبدو حقائق، وليست نكاتاً خارج هموم العيش، لها القدرة في إيقاظ المخيلات، وفضح الواقع السياسي وبلاغته.
إنّه يدرك بأنَّ المشكلة الكبرى، تتمثّل الآن بانتصار التخلّف الذي جعل من الحق باطلاً، ومن الباطل 
حقاً.
فلا حداثة حقيقية من دون استعادة العقل السجين، الذي يحتاج إلى تحريره من اليقينيات القاتلة والمتكررة.
ويضيف الخميسي أن معظم النتاجات الإبداعية التي حقّقها بسام فرج، كانت تحفّر في أرض الوطن، وما تثيره من أسئلة حارقة ومارقة، لا تستسلم لكوابح العنف والتسلّط وقمع الرأي، وإنّما استطاعت تخطّى العوائق والموانع؛ لتوقد جِذوة البحث الأبدي عن عشبة خلود الحياة 
والإبداع. 
في حين يبين الناقد ياسين النصير أن فن بسام فرج يعتمد على الرجل الذي يثير المشكل، أو الرجل الكاشف للمشكل، أي الرجل القضية، وهذه نقطة مهمة من أن بسام فرج يفكّر كما يجب، ثمّة حكاية لهذا الرجل، رجل بحكاية، حكاية عراقية بالتأكيد، ولكنها حكاية تنتقل من الوصف إلى الفعل، ومن الكلام إلى الممارسة، اللحظة التي صور بها هذه الانتقالة هي التي يجسدها رسماً، فتكون المفارقة في سياق بنية الحكاية.
ومن هنا لم يتخل هذا الرجل يوماً عن هدفه، من أن يعرّي السيئين.
ويستمر النصير في حديثه:  ترافق الحكاية مسيرة الرجل، كأداة للكشف المرحلي لأعمال السلطات، إنّنا نرى قراءة ميدانية يومية ملتزمة لما يجري في أرض الواقع، هذه القراءة يتصدى لها
الرجل.
كان بعض الرسامين يتخذون شخصيات شعبية نسائية أو رجالية، لكن بلا ملامح خاصة بهم غير أن يكونوا عراقيين، عباس فاضل، كفاح محمود مثلاً، في حين أن آخرين اعتمدوا الفكر وحملوه الشخصية بمعنى أنَّ شخصياتهم هي أفكار تتوازى مع جوهر الشخصية وموقعها، الفنان مؤيد نعمة أحد أهم المكتشفين لمثل هذه المزاوجة، في حين أن شخصية بسام فرج الفنية هي الرجل الذي يولّد الفكرة، الرجل هنا أسبق من واقعه، لأنه ذلك الكيان الذي شيد عليه الواقع وبنى تصوراتنا عما حدث، رجل ما يطرق أبوابنا ليقول لنا إن الحال الفلانية مدانة.
أما عن جوهر فن بسام فرج، فيشير النصير إلى أننا نجد نزوعاً نحو الحرية كمضاد للوحة الطبيعية والكلاسيكية والواقعية، نزوع نحو حرية الشكل وحرية البحث عن طاقة المخيلة المتجسّدة في غرابة الشكل وانحناءات الخط وتسويد بقعاً من اللوحة، هذا النزوع مرده إلى روح التمرد الذي دأب عليه الفنانون والشعراء لكسر قوالب المألوف من القول والرسم، وإلّا ما معنى أن ينتشر فن الكاريكاتير في الرسم العراقي بمثل هذا الانتشار، فينشده الفنانون كلّهم ويضمنونه لوحاتهم، ثم يرسمون لوحات مستقلة به، كما يفعل الفنان بسام ومنصور وفيصل لعيبي 
مثلاً؟
أليست هذه الحرية تمرّداً على سياق الرسم الواقعي ومحاولة للتجريب؟ الفنان بسام الذي استقر فنّه وتتلمذ عليه فنانون عراقيون، نجده اليوم أكثر ارتكازاً من غيره، ثمّة استقرار في قوة الخط ووضوح وتماسك بنية الكتلة وشفافية شعرية في فضاء اللوحة، وتكوينات متناغمة تحكي الحكاية، وكأنّك تجدها في القضايا التي نعيشها اليوم.
هذه الخبرة وقد تحولت إلى فن متماسك وغني، تبعدنا عن أن يصبح فن الكاريكاتير فنّاً هامشياً.