مراجعات غير سارة

ثقافة 2021/03/22
...

  ياسين طه حافظ
في قصة لاناييس نن، ترجمتها ضمن مجموعتها تحت جرس زجاجي، تواجه البطلة البائسة إشكالا أخلاقيا واجتماعيا. فهي بعد مغامرتها الجنسية، تعاني من ولادة عسيرة وهي البائسة المزدراة. تجد نفسها في مشفى يرفض توليدها ثم يشفق عليها ومن عسر الولادة وتعقيدها والعذاب الذي واجهته، تسأل نفسها إن كان "ذلك" يستحق كل هذا العذاب وكل التعاسة التي هي فيها..
عاطفيا وانشائيا نتقبل التساؤل ونتعاطف معها.. ولكننا في التحليل السليم لهذه المسألة نجد ان تعاستها وما تعانيه من "بهدله" وسوء لا علاقة له بمغامرتها. تلك موضوع آخر له حيثياته أو مراجعه بلغة الاكاديميين. وحالها وتعاستها البشرية لهما علاقة بالوضع الاجتماعي والاخلاقي. ويبقى موضوع خوف الكائن الأنثوي من التعشير او من الحمل وتبعاته، مثل اي موضوع ممنوع أو محرم، يفصل بينه وبين التبعات حال مجتمعي: عرف، قانون تأديب أو إرعاب. جميعهم، الوجه الاجتماعي، رجل القانون، الثري الوجيه والحاكم، يعملون لإيقاف الخرق والتجاوز على الحدود المرسومة للمُلْك، الجاه، الثروة والنفوذ.
لنتخذ مثلاً من منطقةٍ أبعد متتبعين الصلة المشتركة في التطبيق: 
في المنظومات الثقافية يحصل مثل هذا ايضا. فدور النشر تحتاط وتحذّر من التجاوز على ماحققته، سواء من اعادة الطبع او الاستنساخ. والمؤلف يستعين بالسلطة والقضاء لحماية ملكيته "التأليفية" او ماسُمِّيَ بحقوق المؤلف على من استل من بحثه او دراسته. أي يفضح عمله امام الناس – اي انه يستعين بهم عليه. فهذه الدراسة أو هذا البحث أو هذا المؤلَّف، ملك له ومكانة ومدى حضور ومال. 
إن بطلة اناييس نن تلك بين حالين: حقها في "ملكيتها" وحال الردع من تجاوزها لما هو مرسوم من أعراف وتشريعات مجتمعية تحمي ملكيات آخرين ونظام حياتهم. الكاتب "المستلف" او المتجاوز عليه يرى له حقا فيما يقع بين يديه وللآخرين رغبتهم في حماية عائدياتهم، وهذا حق طبيعي لهم، مُقَر اجتماعيا وقانونيا. صحيح هو صراع اقتصادي أساساً ولكننا نتحدث الآن في الظواهر. وحال بطلة اناييس نن، قد تفسّر تفسيرا آخر: تلك البائسة خضعت لمتعة مخادعة، هي أساساً عنف اضطرت للرضا به، أو احتاجت لحظتها إليه. وأن الذَكَر استغل لحظة المتعة الوحيدة المتبقية للمرأة من تاريخ اضطهادها وتنوع هذا الاضطهاد، أعني المتعة الجنسية، وهي الآن تدفع ثمن ذلك الانتصار الوجيز..
يقابل هذا المثقف الذي اكتُشفت سرقته وتجاوزه، هو ايضاً يدفع ثمن ذلك الانتصار الآني، لا بوعي ولكن، في الحقيقة تحت حال "لا اكتمال الوعي بتبعات التجاوز أو الاستهانة بالمحرّم!، المهارات التي زيف بها أو أعاد الطلاء أو أخفى ملكية الآخر لا تخلو من ذكاء وفطنة، لا تخلو من إبداع، ولكنه إبداع في الخطأ وفيما يجب ألّا يكون. ونتاج مثل هذا يبدو مختلفا عن الأصل من الخارج ولكنهما متشابهان في القرينة الباطنية".. إن قبول تلك بعد تردد في المشفى وإيلادها تلك الولادة العسيرة، ليس تعاطفا، كما يبدو، ولكنه في القرينة الباطنية نوع من الاضطهاد، هو أيضا نوع من تأكيد التسلط وامتلاك التحكم بالمصير.  ما أردت الوصول آليه هو أننا في شبكة صراعات، فوق أساسيات الصراع الطبقي. كل هنا يدافع عما يملك وكل يريد أن يمتلك. كل يريد ان يحمي من، وكل يريد ان ينال مثل غيره أو منه. افتراض الحلول سيكون افتراضاً غير عقلاني. وهذا هو اللاعقلاني الذي حلمت به اليوتوبيا، وقبلها الانسان بريئا يريد ولا يستطيع.  البشرية حققت في تقدمها الحضاري الكثير من المكاسب ولكنها ايضا ولّدت الكثير من الصراعات. إن الانحياز الى واحد ضد نقيضه هو انحياز لا يدل على توازن عاطفي ولا على مسؤولية منطق. ولذلك علينا احترام الحياة ومسببات كونها حياة. واذا أردنا عدالةً فلنكن عادلين مع الجميع وإلّا فلنرتضِ بحقائق الحياة على الارض كما هي. وليبقَ الفرح والحزن معاً، فانقطاع الحزن يعني لا فرح مثلما لا وجود للوفاء اذا افتقدنا الخديعة والغدر!. الإشكال الصعب، ذلك الذي يمنع من الوصول: الى، لا أقول الى حل، ولكن الى استقرار وتحمل– الى ما يقرب الى الرضا ويبعد من القسوة. ما يمنع من هذا هو أننا نوسّع الهوّة  ونعقّد أو نشوّه الظاهرة بافتراضاتنا "الثقافية" فبدلا من ان تضع الصناعة الثقافية حلولاً عملية،أرضية، أو بدائل، هي تريد إقناعنا بلا معقوليات جديدة!، هي أحيانا تشغلنا عن المواجهة بحرف أنظارنا عن نقطة الرصد. وفي الثقافة أحيانا عزاءات لا تخلو من افتراء او تفاهة.  ما الذي يفعله الروائي، مثلا؟ هو يعرض حالات اصطنعها كما يريد ان تخدمه وتركها لنا، إضافة إشكال وإضافة 
حرَج! والغريب ان هنا متعتنا! بعض الحلول ليست أكثر من كونها مراوغات مهذبة ومقبولة في سياقات اتقفنا على الرضا بها. وهذه ليست أكثر من فرص استراحة لمعاودة المواجهة الصعبة وانتظار الحل.