رحيل الكاتبة والناشطة النسويَّة نوال السعداوي

ثقافة 2021/03/23
...

 بغداد: الصباح
 
رحلت عن عالمنا الكاتبة والطبيبة والناشطة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة، نوال السعداوي، عن عمر يناهز الـ 90 عاما، بحسب وسائل إعلام مصرية. كانت حياة السعداوي حافلة بالكثير في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص، وبتحدي كثير من التابوات والعادات الاجتماعية التي تحد من حرية المرأة في العالم العربي، فضلا عن نتاجها الفكري والأدبي الثر.قالوا لها "أنت امرأة متوحشة وخطيرة"، فكتبت قائلة "أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة".
أمضت النسوية السعداوي عقوداً وهي تعبر عن آرائها من خلال رواياتها ومقالاتها وسيرها الذاتية ومحاضراتها.
وكانت صراحتها الشديدة وتفانيها الذي لا يتزعزع في الدفاع عن الحقوق السياسية والجنسية للنساء مصدر إلهام لأجيال. لكن بسبب جرأتها في التعبير عن آرائها، تعرضت للانتقاد والتهديد بالقتل والاعتقال.
واجهت السعداوي السجن والنفي والمنع، فكانت تقول: "تغلبت على الخوف من السجن والنفي والفصل من العمل والجوع والمطاردة والعزلة والوحدة وتشويه السمعة، وقد عرفتها جميعا لهذا فقدت خوفي منها".
البنات آفة
وُلدت السعداوي في قرية خارج القاهرة عام 1931، وكانت الابنة الثانية بين تسعة أبناء. وقد كتبت روايتها الأولى في عمر الثلاثة عشرة. وكان والدها موظفاً حكومياً صاحب دخل محدود، بينما كانت والدتها تنتمي لأسرة ثرية. حاولت أسرتها تزويجها في عمر العاشرة، لكنها حين رفضت، وقفت والدتها في صفها.
شجعها أبواها على التعليم، لكنها - كما كتبت في مؤلفاتها- أدركت منذ سن مبكرة أن البنات كن يحظين بتقدير أقل من البنين.
ووصفت السعداوي فورة غضبها حين قالت لها جدتها ذات يوم إن "الولد يساوي 15 بنتا. البنات آفة".
ومن بين تجارب طفولتها التي وثقتها السعداوي بوضوح، كان خضوعها لعملية ختان في عمر السادسة.
ووصفت السعداوي في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية" خضوعها للجراحة المؤلمة على أرضية الحمام بينما وقفت والدتها إلى جوارها. 
وعلى مدار حياتها، ناضلت السعداوي ضد ختان الإناث، واصفة إياه بأنه أداة لقمع النساء، وقد تم تجريم عادة ختان الإناث في مصر عام 2008، بينما أدانت السعداوي استمرار انتشارها.
تخرجت السعداوي من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1955 وعملت كطبيبة، ثم تخصصت في الطب النفسي.
وفقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس" الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة المعروف باسم الختان، وقمع النساء.
كما أُغلقت في عام 1973 مجلة الصحة التي أسستها قبل ذلك بسنوات. غير أنها لم تتوقف عن التعبير عن آرائها. وفي عام 1975 نشرت رواية "امرأة عند نقطة الصفر" المستوحاة من قصة حقيقة لامرأة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. وعام 1977 نشرت روايتها "الوجه العاري للمرأة العربية" التي وثقت خلالها تجاربها إذ كانت شاهدةً على جرائم اعتداء جنسي و"جرائم شرف" ودعارة خلال عملها كطبيبة في إحدى القرى.
وقد أثارت الرواية حالة من الغضب، واتهمها النقاد بتعزيز الصور النمطية للمرأة العربية. ثم في سبتمبر/ أيلول 1981 أودعت السعداوي السجن ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس المصري آنذاك أنور السادات. وحينها كتبت مذكراتها باستخدام مناشف ورقية وقلم لرسم الحواجب هربته إليها عاملة جنس سجينة.
وبعد اغتيال السادات أُطلق سراح السعداوي، لكن نشاطها خضع للرقابة وحُظرت كتبها التي وصلت حتى نهاية حياتها لأكثرَ من 40 كتابا فكريًا وأدبيا.
وخلال ذلك، تلقت تهديدات بالقتل، كما رُفعت ضدها دعاوى قضائية، لتضطر في نهاية المطاف إلى العيش في منفى بالولايات المتحدة. وهناك واصلت هجماتها.
شعرت "السعداوي" بقيمة حياتها في حياة الغربة والمنفى ومع الإحساس باقتراب الموت، فتقول "نحن لا ندرك قيمة الحياة إلا بجوار الموت، كالضوء لا يرى إلا في الظلمة، هكذا بدأت كتابة سيرة حياتي، ليس للإعلان عن الصمود أو لمجابهة الوحدة أو الألم بل لمواجهة الموت قبل موعدي مع الموت". 
 
عزلة تامة
شنت السعداوي حملات كثيرة، وهاجمت استخدام مساحيق التجميل والملابس الكاشفة، مما أثار غضب زميلاتها من الناشطات النسويات.
وكانت تقول دائما "يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم".
وبجانب ما أثارته من غضب، نالت السعداوي اعترافاً عالمياً واسعا، وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة.
تقول خديجة سيساي المؤلفة والناشرة البريطانية التي عملت وكيلة لها في لندن "أعي تماماً أن الناس لا يتفقون دوماً مع آرائها السياسية، لكن أكثر ما كان يلهمني بشأنها هو كتاباتها وما حققته وما مثله ذلك بالنسبة للنساء".
وتضيف "إذا كنت امرأة أفريقية أو امرأة ملونة، ستتأثرين بأعمالها".
ونالت السعداوي درجات شرفية عدة من جامعات مختلفة حول العالم. 
وفي عام 2020 أدرجتها مجلة التايمز الأميركية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً، وخصصت غلافها الخارجي لصورتها.
عادت السعداوي إلى وطنها مصر عام 1996، ثم سرعان ما أثارت ضجة في البلاد. وترشحت في الانتخابات الرئاسية عام 2004 ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.
كتبت "السعداوي" مذكراتها "أوراقي حياتي" في ثلاثة أجزاء، وكانت تستعد لكتابة أولى فصول الجزء الرابع والأخير من "أوراقي حياتي"، لكن وافتها المنية قبل أن تدون آخر ذكرياتها بعد صراع طويل مع المرض، وصراع أطول مع الحياة والتحدي والهزائم والخيبات.. عاشت الأديبة سنواتها الأخيرة في عزلة تامة، عزلة برغبتها وعزلة أخرى فرضتها عليها الظروف الصحية ووباء كورونا، ولكنها على الرغم من ذلك واصلت وفي انتظام نشر مقالاتها في جريدة الأهرام والمصري اليوم، فقد كانت تكتب من الفراش، وتملي على مديرة أعمالها أو نجلتها مقالاتها، وأحيانًا أخرى تعيد نشر مقالاتها السابقة التي تتزامن مع أحداث ومناسبات، وكانت تشكو في أيامها الأخيرة عزوف الناس عنها وعن زيارتها، وعدم تلقيها الرعاية الصحية المناسبة لحالتها، ونسيانها. في حديثها لـ "بوابة الأهرام" في أيامها الأخيرة، قالت: "أنا امرأة ممنوعة من التداول، يريدون إخفات صوتي وكتبي وفكري، لكنني لست نادمة على أي شيء، ولو عاد بي الزمن سأكون أكثر تمردا وثورة مما كنت في جميع مراحل حياتي، ولا أضيع وقتا في ما لا يتصل بإبداعي الأدبي والفكري.