طلب بسيط

الصفحة الاخيرة 2021/03/23
...

حسن العاني 
في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي بدأت محاولاتي المبكرة للاقتراب من عالم الصحافة، وتواصلت تلك المحاولات حتى عام 1976 عندما جازفت وقدمت نفسي كاتباً مبتدئاً للعمود الصحفي بكثير من الحذر، ولم تكن لدي فكرة مسبقة إن فن العمود يعد الأصعب، والأكثر أهمية، من بين فنون الصحافة الأخرى، أعترف بانني عانيت الامرين في التعرف على ضوابط وشروط هذا الفن، لكوني لست اعلامياً اكاديمياً متخصصاً، وقبل ذلك لان طبيعة تكوينتي الكتابية اشد انحيازاً، واكثر ميلاً الى لغة الادب بصورة عامة، والى القصة القصيرة على وجه الخصوص، ولا اتحرج من الاعتراف بأن اسطوات الصحافة الذين وقاهم الله شر الغرور وغطرسة النرجسية، اكرموني بملاحظاتهم ونقدهم وتوجيهاتهم، جزاهم الله عن تواضعهم الف خير.
أقسم بأنني ما جلست الى كتابة عمود صحفي منذ 56 سنة تقريباً، وحتى هذه اللحظة الا وعاشرني القلق وانتابني الخوف، ذلك لان الكتابة مسؤولية من أرقى المسؤوليات الأخلاقية، ولان اختيار الفكرة وتحديد وقتها المناسب، وأسلوب ايصالها، وكيفية تحرير النفس والضمير من روح الانانية والعداء والذاتية اللئيمة، تؤلف سلسلة مترابطة من الجهد والعناء والموضوعية.
لحظة اعتراف أساتذتي بأنني صحفي مرحب به، ومسموح له بالجلوس مع كُتاب العمود في المكان الذي يعجبه، وضمن أي خط، باستثناء الخطوط الامامية فهي محجوزة للكبار، وأنا - حيثما تكرّم عليّ هذا المطبوع او ذاك ان أكون من بين كتابه - لا اسأل عن المكان الذي تنشر فيه مادتي الصحفية، ولا أسال عن المكافأة او الأجور، كل ما اطلبه بلطف، امر بسيط هو 
[عدم التدخل في كتاباتي، لا تضيفوا لها ولا تحذفوا ولو كلمة واحدة، فان وجدتم مفردة او فكرة او طرحاً لا يتواءم مع سياسة المطبوع، فارفضوا المادة بأكملها، وليس من حقي أن اعترض او اعاتب فكما احترم توجهكم، ارجوكم احترموا قلمي لأنه يمثل شخصيتي التي ارفض أن تهان]، ومن اجل هذا الطلب البسيط غادرت اكثر من مطبوع في أعوام (1996، 2004، 2007، 2011) لانهم تصرفوا في ( مقالاتي ) حذفاً او إضافة او .. او تغييراً وهو اشد المرارات مذاقاً على روحي.