لَذّة المفارقة في (ادخل بيتي مثل لص)

ثقافة 2021/03/23
...

  زهير الجبوري 
حين نقف وقفة متأنية عند تجربة نثرية كتجربة الشاعر علي ابراهيم الياسري ومجموعته الشعرية (أَدْخُلُ بيتي مِثلَ لص / 2019 ) ، فإن اول ما يلفت نظرنا لعبة المفارقة وما تتمتع به من تفاصيل القصيدة (التضمينية)، وأعني بها القصيدة التي تُسَخِر اللّغة للوقوف عند قصدية تشتغل على المضمون، ولعل قصيدة النثر الحديثة التي يكتبها جيل من الشباب في العراق، إنما تقوم على طابع التفكير، وهو أمر في غاية الأهمية لما تعبر به من دوافع (موضوعاتية)، فالقصيدة الآن مثل اية وسيلة خطابية مؤثرة في زمن ما بعد الحداثة، زمن العولمة، ولنا في تجربة الشاعر كاظم الحجاج خير دليل، غير ان طريقة الياسري اشبعت بعلاقات (ستنتمنتاليتية)، اي شديد العاطفة مع الآخر ..
انغمار الشاعر علي ابراهيم الياسري في صياغة الشفرة مع (المرأة) عبر مفارقة شعرية واضحة في اغلب قصائد المجموعة كشف عن نوازعه وعن حالات متساكنة في داخله، ربما هي انعكاس لواقع حضوري تعبيري، لذا سخر غواية الكتابة لتصبح المعنى الشعري، مع وضوح خيوط الدهشة ولعبة الضربة الشعرية نهاية كل قصيدة، كل هذه العلامات تشير الى حالة من الوعي في لعبة الكتابة النثرية عند جيل الشباب، والشاعر الياسري استثمر ذلك من خلال لذة التوجس والانحسار، وسنأتي الى هذا الجانب بشيء من التفصيل ..
(أدخل في بيتي مثل لص)، عنوان يستدعي حالة من التوجس داخل اطار الحيز الذي يرتبط بالشاعر ارتباطا متداخلا، لكن لعبة المفارقة جعلت من المعنى الصريح للعنوان ان يكون معنى تهويمياً، وبحسب (جيرار جنييت) فهو يمثل العتبة المناصية الأولى التي تكمل المضمون والخاتمة معاً، وبغرار ذلك تصبح الأشياء المستدعاة مسكونة بالبوح والوصف وفي مناطق اخرى مسكونة بالاغتراب، وبصراحة نقدية غاية الدقة، تعد تجربة علي ابراهيم الياسري محبوكة نثرياً وناضجة، وقد تكون عوامل نشأة الشاعر مع ابناء جيله ساعدتهم لكتابة هكذا نصوص ..
قد تكون سمة التصنيف التي اعتمدتها المجموعة جزءا من تكوين فني / مهاري، فـ(أغنية القفص) و(الغرق في الكتابة) و(مرارة هيغل)، عتبات فرعية لم تغير من وحدة المضمون، غير انها حافظت على فنية الكتابة النثرية فحين نقرأ في القسم الأول (يا حلوةُ تجميعنني/ كأنني كثير ../ تهجرينني ../ كأني لا أحد) ص16، يناظره في القسم الثاني (إنّه جدلٌ دائرٌ وغامقٌ / حول نهد امرأة) ص58، وفي القسم الثالث (فنحن نقبّلُ النساء.. كي ننتصر/ ونهرب من الحرب .. كي ننتصر / ونحرك شفاهنا في المآتم كذباً، عند قراءة الفاتحة / كي ننتصر على الموت)ص82. هذا الشغف غير المبطن وحّدَ بؤرة الذات الهائمة في المعنى ..
ثمّة ما يثير فعل الدهشة ولذتها الشعرية من خلال ضربة المفارقة التي بدأها الشاعر قبل الدخول الى العتبات الفرعية، الا وهي قصيدة (ارهابي) التي جعلت من المجموعة مفتتحاً لشكل الكتابة النثرية، إذ قرأنا : 
إنّي كَمنْ في ساعةٍ متأخرةٍ يسطو على الجنة 
ويكتشفُ أَنَّ الجنَّة بلا وقت .(ص7).
إن مثل هذه التجربة الشعرية/ النثرية، تنمي عن فهم تفاصيل الكتابة ولعبتها المغرية، وكأنَّ عالم القصيدة عند الشاعر الياسري مشروع قائم بذاته، لا أعرف من أين جاء اكتسابه بتفاصيل واعية وهو يدخل ميدان القصيدة الحديثة والمعاصرة؟ لا ضير في ذلك فهو من بيئة جنوبية مشحونة بروح الشعر، ولنا من الاسماء الكبيرة ما تبرهن ذلك.
المجموعة الشعرية هذه اعطت انعطافة كبيرة في توهج قصيدة النثر في ظل صراع الاشكال الشعرية المطروحة في الساحة العراقية او حتى العربية، ولأنَّ الشاعر أفاض في تجربته ما يلزم به كتابة هذا اللون من الشعر، إلا أنّي أحسب ان المرحلة المقبلة ستكشف عن تحول مهم في كتابة القصيدة الحديثة، كما اتمنى ان يلامس دقائق الواقع المحيط به ليتسنى له الامساك بكتابة قصيدة نثر ذات طابع محلي بالدرجة الاساس، على الرغم من حضور لون حديث ومعاصر، الا وهي (قصيدة النص) التي لها اشتراطاتها الخاصة في شعرية الكتابة.